الرئيسية / مقالات / المستشار حمدي بهاء الدين يكتب..يوميات رجل حزين…!!

المستشار حمدي بهاء الدين يكتب..يوميات رجل حزين…!!

حال جلوسى فى حمام عمومى أغتسل وأسقط عن نفسى بعض همومى .. دخل فجأة رجل طويل القامة لا يخفف منها سوى انحناءة ظهر.. ربما أثقلته الهموم
وله عينان واسعتان شديدة البياض وشديدة السواد ، كأنهما تعانق الليل والنهار ، بنظرة مختلطة بالموت والحياه تفحصت الوجوه وكأنها تبحث عن شئ ما، أو كأنه كلفها بأن تهديه الى شخص ما ، وأقترب منى وجلس بجوارى لا يستره كما لا يسترنى الا غطاء بسيط من القطن الخالص يستر ما بعد بطنى الى ما قبل ركبتى ، وظل من الحين والأخر يسترق النظر الى وجهى وكأنه يتفحصنى أو يشتبه أنه يعرفنى

واذ فجأة.. أمتدت يده الى كتفى فارتعدت ، وكدت أصرخ مستغيثا ومستنجدا بنفر قليل فى الغرفة يحجبهم عنه وعنى ضباب الماء الساخن وأحزان ومتاعب الحياه ، وهممت بالرحيل فأستوقفنى راجيا وسألنى عن أسمى وهل ما اذا كنت أعرفه أو يعرفنى ؟ وطمأننى بأنه لا يريد منى شئ سوى أن أسمعه .. فقط أسمعه

انه يريد أن يصرخ .. يبكى .. ينفض عن نفسه بعض الهموم … ويغسل نفسه من بعض الأوزار والذنوب … انه مذبوح من الوريد الى الوريد وفى غيبوبة موت نفسى وسكرة حياة فقدها لتوه
ولم يمهلنى وقتا حتى أختار قبول أو رفض الأنتظار
قال ما أصعب أن تموت بيد من تحب … وأن يطعنك من أهدرت العمر لأجله … وأن تحرقك جمرات المقربين منك … وأن يبادلوك الحب بالكراهية … والحنان بالقسوة … والأمل باليأس … وأن تبنى لهم وهم يهدموك الى ألف ألف قطعة تتناثر تحت أقدام أعداءك … يسلموك مقيد اليدين ومكبل القدمين الى من يكرهك قربانا وأنتقاما لأنك وقفت يوما وتساءلت … لماذا أعطيت ؟ وأشار الى صدره العارى… وقال هاهنا الطعنة .. غرسوها بقسوة .. نعم هنا فى منتصف الصدر ، فى اتجاه القلب… فنفذت الى غرفه الأربعه وبدلتها عن مواضعها … وبدلت أنفاسى من شهيق ثم زفير …الى زفير اثم شهيق .. فصرت لا أرى .. أقوم فأسقط .. كمن يتخبطه الشيطان من المس ،، فتحولت من الطموح الى اليأس ، صرت مسخا ،، صرت لا شئ .. بعدما كنت كل شئ .. صرت عدما ..بعدما كنت ملء السمع والبصر

وسقطت من عينيه دموع غريبة … مزيج من اللون الأحمر والأسود والأزرق ،، سقطت خارج المغطس فكتبت .. مهزوم .. مقهور .. مظلوم
فألتفت اليه وقلت…. من أنت أيها الرجل ؟ وما هذا القدر من المرارة والانكسار ؟ وما سر هذه الدموع الغريبة ؟

فشهق شهقة وكأنها شهقة أهل الجحيم .. وكأنه فى النار يستعر .. وقال .. ان دموعى مزيج من دماء قلبى ومداد قلمى… تشهد على قاتلى الذى يسكن نفسى .. ويحمل أسمى… ويعذب ذاتى … ويراقب انفاسى … ويقهر ارادتى … ويبيعنى رخيصا فى سوق النخاسة لأعدائى

فأندهشت .. قاتل .. سوق النخاسه .. أعداءه … وقلت له أنت تحتاج لمن يسمعك وينصحك ولا يخدعك .. فقل ما شئت انى معك .
فنظر الى وجهى واتسعت حدقتاه وازدادت مساحة السواد فيهما وتلاشى بعض من بياض عينيه وكأنه يغوص فى أعماقه ويستخرج شيئا ما من ماضيه…

انه يرى أشياء لا أراها … وكيف أراها ؟ وهى مخزونة فى أعماقه تؤلمه وتعذبه .. وبادرنى بحديث المحروم من كل شئ .. وقال هل تدرى أننى لم أحظ بحنان
الأب أو عطف الأم .. هل تصدق أن أبى لم يضمنى الى صدره …. لم يحضننى صغيرا وفعلها على استحياء وانا كبير وكأنه عابر سبيل .. لا على أنه أصل وجودى
وأنى امتداد ذكراه.. كنت أحسد الأطفال ونحن صغار حينما كنت أرى أبائهم يحتضنونهم ويحملونهم على أعناقهم وأكتافهم يقبلونهم ويلعبون معهم
واشعر وكأن أمى لم ترضعنى لبنها أو حنانها أو عطفها .. فعشت حياتى مثل القنفد أخشى ان يضمنى احد أو أضم أحد الى صدرى خشية أن ينغرس
الشوك فى صدره فأعذبه وأؤلمه …. وبالتدريج انقلبت على نفسى فأصبح الشوك بداخلى … وتبدل خارجى ملمسا ناعما يستحب الضم

والأحتضان ..وغرست أشواك جلدى المقلوبة فى ذاتى .. فتعذبت وتألمت وحدى فى صمت دون أن يدرى بى أحد أو يسعفنى أحد أو يخفف عذابى أحد .. انه الشعور بالوحدة والحرمان
حاولت الهروب من هذا الشعور بالبحث عن أشياء أخرى تعوضنى .. أرتقيت سلم الشهرة وجمعت المال وأحط نفسى بمظاهر القوة والمنعة .. فلم أفلح
أخذت دواء النساء فلم أشفى … ضممت أولادى الى صدرى ومنحتهم أيام عمرى … كل ذلك لم يعوضنى .. زوجة لم تفهمنى .. وولد تنكر لحبى
وقال صراحة .. أنه لا يريدنى ولا يرغبنى ……

هل تصدق أنه كان بالشهور يخاصمنى ولا يخاطبنى … أأنا ظلمته ؟ .. أم هو الذى ظلمنى ؟ لا أدرى……………………..
تنقلت بين أحضان النساء .. وجربت كل النهود … فلم يعوضنى ذلك عن حضن أمى … قهرتهن وقهرت معهن ذاتى وأضعت عفتى وكبريائى دون جدوى
حتى المرأة التى أخترت كانت تعد على أنفاسى وتراقب تحركاتى وتقف على خلجات نفسى ونبض عروقى
أستعبدتنى وأنا الذى عشت موهوما أنى أملك ناصية أمرى بعد ربى … انها ترغب أن ترانى أمامها .. لا أنصرف عن فلكها .. ولو كان فى ذلك حرقى وحزنى
وعندما قررت أن أثور واختار طريقا فيه امضى .. أكتشفت أن الوقت قد مضى .. وأن الشيب أصاب رأسى وقلبى … بالفعل ضاع العمر منى
وقفت تلك المرأة التى أسرتنى ووضعت يداها فى وسطها وسألتنى ( ما الذى ينقص شخص مثلى ؟)
وأشعلت النيران فى كل ذكرياتى وكبريائى وأسمى …. ثم راحت تبكى وتشكى وتطلب الثأر منى
إنها لا تدرى أو ربما تدرى
أن ما فعلت جرم أغتال ما تبقى منى..
هل تعرف أن كل هذه الوجاهه والسلطة والثروة والمكانه الأجتماعية ما هى الا وهم سريعا ما يزول
ماهى الا جمرات تكوى ظهرى وجنبى وضميرى .. جعلتنى أعيش كمن ينام عاريا على أسنة الرماح .. أو على سرير من المسامير المغموسة بالخوف
والحزن والاضطراب .. فلا أنام …. وان تصادف وغفوت تنهشنى كوابيس وأحلام الخوف والرغبة فى الهروب

فما معنى أن يكون لديك مال وسيارة ومظاهر الثروة.. ويتملك قلبك الخوف عليها جميعا ( ان اصطدمت السيارة فى حادث حزنت ، وان ضاع بعض مالك أو تلف عقارك فزعت .. تداهمك اليقظة فى كل حين لتطمئن على سيارة هنا أو مال احتفظت به هناك
لم تجرب أن تقتلك مهنتك ومكانتك ووجاهتك فى اليوم ألف ألف مرة …. قرار تنتظره .. حكم ترتجيه …. دائما الخوف من المجهول يأكل سنين عمرك وهناءة عيشك….. يمسح فيك الناس أوساخهم وأوزارهم وجرائمهم … ويطالبونك بأن تبرئهم وتؤمن مستقبلهم وتغسلهم من خطاياهم وتقدم للناس شهادة براءتهم
وان لم تفعل فانك استحللت مالهم وغررت بهم وخدعتهم …. وان فعلت فانك تحصلت على ما لا تستحق دون تعب ودون جهد .. مجرد بضع كلمات تقيأتها وكأنك قارئ نشرة أخبار أو ببغاء فى قفص يجيد التقليد

والأكثر ايلاما أن أحزانك تنبت ممن تحب .. وهمومك تثمر من قلب من تعشق .. وأن الطعنة تأتيك من أقرب صديق فتقتلك ألف ألف مرة ولا تموت
وتنفرط من بين يديك أيام الصفا ولحظات الوفا .. ويسقط تحت قدميك كل وعد أو عهد
نظرت اليه فى أستنكار لما يقول وهززت رأسى ساخرا مما يهذى .. ووضعت يدى على كتفه وقلت ( انك جاحد لكل نعمة وستزول يوما من بين يديك وتحل عليك النقمة) … انك وهبك الله كل أسباب السعادة …وكل مباهج الحياه .

لديك المال والبنون …. لديك زينة الحياة الدنيا … لديك المنصب والسطوة…. يكفى أنك لا تمد يدك لتأخذ .. تمدها فقط لتعطى … وفى ذلك أعظم نعمة
حسبك أن يقوم الناس بين يديك ولو كانوا يظهرون خلاف ما يضمرون فهذا عيبهم وليس عيبك

ألا يكفيك أنك تسير على قدمين بلا مرض عضال أو ديون ثقال .. فلا أذلك دائن .. ولا قهرك مرض.. ولا عاقك ولد .. ولا أستعبدتك امرأة كما تزعم
الا يكفيك من لا ترى غيرك فى هذه الدنيا … ومن تركت لأجلك وطنها وذكرياتها لأجل أن تمضى العمر معك
فالمرأة هى المرأة فى كل العصور .. تحتاج الى رجل يجيد قراءة مفرادتها .. ويعرف مفاتيحها .. فان فعلت نعمت بكل محاسن جسدها ورجاحة عقلها
وان عجزت فلا تلومن الا نفسك …. فالمرأة كالحصان الجامح الذى يقطع البرارى ويجرى فى الفيافى … يحتاج الى فارس ماهر يروضه ويدربه حتى يعتليه مطمئنا ويقوده مستريحا فيصلا معا الى حيث يرغبا
أما الولد فهم غرسك وبعض عملك وحصاد عمرك .. كن لهم كالنهر .. ولتكن أمهم كالأرض الطيبة .. أسقهم حبا بحكمة … لا تبذر ولا تقطر … وأحسن الغرس .. تحسن الحصد

وحال حديثى اليه ونصحى له … شعرت بهزة فى جسدى كادت أن تخلع كتفى فأنتبهت فاذا بعامل الحمام يمسك بقطعة خشنة ويحك بها جلدى ويقول …انتهيت.. لقد أتعبتنى .. لم يمر على شخص بمثل أوساخك .. وهأنت اصبحت كيوم ولدتك أمك .. نظيفا .. طاهرا .. ولتحاول أن تغتسل دوما ولا تنتظر طويلا فربما لا يطول بك الأجل لتغتسل مرة أخرى
فقلت له أين الرجل الذى كان يجلس جوار ى ويحدثنى باكيا ومهموما ؟
فقال العامل .. أى رجل تقصد .. لم يكن هنا غيرك .. ولقد أرعبتنى وأنا أغسلك .. كنت تصرخ أحيانا .. وتبكى أحيانا أخرى .. وتضحك ساخرا وتشيح بوجهك وتضرب كفا بكف .. حتى ظننت أنك مجنون أو بك مس …. لم يكن هنا غيرك..!!!

عن admin

شاهد أيضاً

هبة علي تكتب..الحب في بيت النبوة…

أحب كثيرآ مطالعة سيرة النبي عليه الصلاة و السلام و صحابته الكرام ، و أحب …

تعليق واحد

  1. حمدي بهاء الدين

    الحزن تجذر وتمكن من الروح فتركت ثم ماتت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *