وفي الإنفصال رغم وجع المعني إكتمال
والأصل في السعادة أن تأتي بعد قسوة التعلق والتمسك الذي يصاحبه الألم
كل يوم يمر في حياتنا كموج البحر يحمل الرزق تارة ويحمل الأمواج العاتية والأعاصير تارة أخري. وما بين تارة وأخري تتعامد الشمس علي جباهنا ونشعر بأنها الدفء وأحيانا الجحيم.
ومنذ نعومة أظافرنا نسعي لحصاد الإهتمام والحنان ممن حولنا وتختلف النفوس في الشكل والطريقة. فما تربينا عليه من شكل الحنان يشكل فيما بعد أوجاعنا وآلامنا وأفراحنا.
فهناك من شكلته القسوة وهناك من شكله الحنان و هذا إرتوي من القسوة وتشبع فصار شكل من أشكال الحنان وهناك من بدل الحنان طبيعته فما عرف قيمة ما حصده وتشكل من رحم الحنان قسوة.
وتظل نفوسنا تعافر في الحياة لتري وتفهم ويطرق أبواب قلبها البصيرة ولا تطرق البصيرة قلب لاهي .
فالمعرفة تكمن في تفاصيل الكون ولحظات السكون في أوقات الصراخ العالي.
ولن تعرف القلوب ولن تتمكن من الرؤية وهي تطرق طبول الطمع والقلق وتعزف لحن الإحتياج. وفي التخلي تصبح الرؤية أوضح وتتضائل معاني الحزن في القلوب ويصبح الفرح والحزن في عين البصيرة أوقات تمر لتكور الليل والنهار في ملحمة فنية عميقة تبرز جمال الكون وإختلافه وتعلن عن مراسم الحياة.
نولد علي الفطرة بقلوب بيضاء ونقاء سريره. نولد كفجر يوم جديد ملئ بالأمل . كورقة خالية من أي ألوان . نولد من رحم أمهاتنا وبقلوبنا بذرة الحب والإحتياج للرعاية والحنان وتتبدل معانيهم وطرقهم . فننهل من صدور أمهاتنا دماء النمو لتتجدد خلايانا وتتمدد أطرافنا ويشب العود من ضعف وإلي أحبائنا تغفو النفس لضمة الحبيب فتدب في أطرافنا حرية الحب وننهل إبتسامة الصباح ورحيق القوة .
وكيف حال قلب الرضيع إذا تاه بعد الولادة عن صدر أمه ؟
وكيف هو حال الحبيب إذا تغرب عن ضمة حبيبه؟
وكيف هي النفس إذا تغربت عن حب الودود ؟
وقد ألقي الودود في نفوسنا وقلوبنا قبل أن نولد فطرة الحب. فأحيانا تقذفنا أمواج بحر الحياة إلي حاله من التيه.
أحيانا تقذفنا أمواج بحر الحياة إلي حالة من التيه . أحيانا تضل سفينة قلوبنا بوصلتها وتختار من القلوب من غربته القسوة عن أجمل معاني فطرته النقية. أو تختار قلوبنا , قلوب شكلتها أنامل الشياطين فصممت منها الخداع والعصيان والغل والحقد. شكلتها برداء الغدر والخيانة . أو قلوب معاقة غير مكتملة النمو. لاتعرف من الحياة غير غذاء البطون أو قلوب ضعيفه سلبية لا تستطيع المضي معنا إلي طريق الحب فتختار طريق يطلقون عليه طريق السلامة وتكفر القلوب الطيبة بالحب في رحلتها تارات حتي تعي في يوم من الأيام قيمته ومعناه.
والكفر بالحب في الرحلة هو بوابة لطريق الله فلابد من التيه والإنفصال . وفي اللغة قالوا : أن الضد يظهر حسنه الضد. لا شك أن الحياة دون إختبارات نهوي فيها ونسقط – نتفوق ونتقدم لن تقدم لنا المعرفة علي طبق من فضة. وحتي وإن قدمتها وجاءت المعرفة عن طريق سهل , تناستها العقول . وحتي وإن تعددت المواقف , فلن تنفعنا معرفة لم تمس القلب وتبدل المعاني لكل الأشياء في عيوننا.
وفي كل قصة حب تلتحم الأنفس وإذا حالفها الحظ والقدر تستكمل رحلتها وهي جسد ملتحم . أو تنفصل وتبتعد وتغترب وتتغرب ليهذب الحب النفس متصلا كان أو منفصلا.
وكثيرا ما تتغرب وتنفصل القلوب حتي تنصهر المعرفة وتنقي كما ينقى الذهب فحينما تعود لنفس القلب أو تلتحم بغيره ممن ضل الطريق أو شتته بوصلته.
فيعلن الإنفصال عن حالة من الإكتمال
. ويتشكل من قلبين آلالامهم الإنفصال في يوم من الأيام وكانوا قد كفروا بالحب في الرحلة , قلب واحد من الألماس . قلب نصفيه في روحين شكلت رحلتهم وقصتهم مواقف من الألم والحزن فعانقت السعادة أجسادهم في رقي ومودة ورحمة وعرفوا بدون شك أن إيمانهم بالحب جنتهم ونور الطريق وأن الإنفصال طريق النجاة وأساس الإكتمال .
غادة علي حسن
باحثة في العلوم التربوية ومدرب حياة
مقال أكثر من رائع