كان استاذى فى حصة الموسيقى مواظبا على جملة واحدة يقولها لنا فى كل حصة وهى (شنِف ودنك ) وكنا نضحك من الجملة ولانفهمها ولانعرف القصد منها ، وكان يرد علينا بأن كل جزء فى التكوين الانسانى لابد ان ينقى من الضرر حتى يعود له رونقه وبهاءه ..
والاذن هى اهم جزء يجب ان ينعم بهذا النقاء حتى يسري فى الجسم كله ، فالاذن لاتسمع فقط ولكنها تطرب ومن طربها تتفاعل وتنتعش كافة اعضاء الجسد وخاصة القلب الذي يستقبل ماترسله له الاذن فيقبله أو يرفضه…إن لم يكن جاذبا.
طوال ست سنوات ومعلمنا الجليل يشنف اذاننا حتى وصلت لمرحلة الانتقاء والنقاء؛ ولكن عصفت بنا الحياة منذ مطلع هذه الالفية واصبحت اذاننا تستقبل السيىء والاسوأ واصبح الطبيعى ان تسمع اذاننا الرعد والسفه بزعم انهما فن ..
واصبحت اذاننا ايضا موعودة بالتصادم مع أصوات حميرية وكلمات بهيمية مع احترامى لمن يرى غير ذلك ويصف الطوفان الحالي بالمطربين ..
وبما أننى من نوعية البشر الذين شنفت اذانهم وارتقى ذوقهم بعظماء المغنى وأهل الطرب فقد وجدت ضالتى فى معهد الموسيقى العربية حينما لبيت دعوة للزميلة اسماء بحضور حفلة للرائعة رضوى سعيد …
اعترف بأننى عندما لبيت الدعوة لم أكن متحمسة بل أننى قلت بيني وبين نفسي: نشوف ونسمع بجملة اللي بنسمعه وشايفينه ..
وعندما ظهرت على المسرح العتيق بهرتنى بصوتها الجميل القوي واداءها الواثق المحب لجمهوره ، ولفت انتباهى أن صوتها دارس موسيقى وعرب ومقامات…
وبأنها تطوع طبقات صوتها مع أى لون تؤديه ، بل أنها تأخذك فى كل أغنية لتعيش مع مطربة الأغنية الأصلية التي تتغنى رضوى بكلامها فهى عندما غنت لفايزة تجعلك تعيش مع فايزة احمد بصوتها الحنون وعينها المفعمة بالرومانسية…
وعندما غنت لوردة استحضرت وردة بحلاوتها وصلدها ورونقها ، نفس الحال عندما غنت لفيروز لتأخذك الى اشجار الازر وربوع الشام …
رونق رضوى ازداد بهاء وتألقا وهى تغني لماجدة الرومى فياجمالها وروعتها وهى تردد كلمات بصوتها القوي الحنون ، وتصل بروعة عمق صوتها بغناء خاصمتك بينى وبين روحى لكوكب الشرق.
لتلهب الحضور كله الذين اكتظ بهم المسرح العتيق بعد غياب رضوى اكثر من سبعة اشهر بسبب الاجراءات التى تتابعت مع فيروس كورونا وتوقف الانشطة الثقافية والغنائية فى دور العرض كافة ..
رضوى وهى تغنى لام كلثوم اعادتنا إلى مرحلة الطرب الاصيل وتنشيف الاذن وتنقيتها من شوائب هذه المرحلة المزعجة فنياً والتي أصبح فيها معيار الفن لاينتمي اطلاقا لما عشنا معه وسمعناه وتربينا عليه وطربت اذاننا به…
على مدى ساعتين اسعدتنى رضوى وسعدت بها ولكني تساءلت لماذا لم تغنى رضوى لرضوى فكل الاغانى التى تغنت بها كانت لغيرها وبالطبع هم عظماء الفن وقممه ، وايضا داهمنى تساءل بل تساؤلات متوالية لماذا لم تحظ رضوى بما حظى به من لهم ملايين المتابعين واحتلوا التريند وانتفخت جيوبهم بالملايين …
تساؤلات اوقفنى عن الاسترسال فيها تصفيق الجمهور لرضوى لاتيقن ان هذا الحضور هم من شنفت اذانهم وهم من يتذوقون الفن الاصيل ويتابعون من يتبع اصول الطرب …
لرضوى سعيد كل الشكر لانها شنفت اذاننا ولابنيها الجميلين التحية لانهما يسيران على دربها فى الغناء الاصيل المبنى على صقل الموهبة بالدراسة والعلم ..
كل معانى الشكر والتقدير للقائمين على معهد الموسيقى العربية لحرصهم على ان يكون منبعا للفن والموهبة الدارسة والطرب الاصيل …