لينا رب
منذ صغرى وانا اسمع هذه الجملة دوما من جارتنا الست فتحية .
دائما ابدا تنطق بها فى كل المواقف .اسمعها وجها لوجه ، واسمعها من وراء الابواب ، حتى اننى اسميتها فتحية لينا رب ، وكان ابى رحمه الله يضحك عندما يسمعنى اقول ذلك ، وكانت امى اطال الله فى عمرها تنهرنى محذرة من تهكمى على البشر وخاصة جارتنا.
والحق انا لم اتهكم عليها ولكننى اصبحت لااسمع صوتها الا وفيه هذه الجملة التى كانت فى اوقات كثيرة من حياتى باب نجاة لى وبوابة امل .
فتحية هذه كانت زوجة عم مصطفى الابن الوحيد لاسرة طيبة تتاجر بالاغنام . عندما بلغ مصطفى اعوامه الثمانية عشر زوجته امه من بلدهم سوهاج واتى بها فتحية طفلة لم تتعدى الخمسة عشر عاما . فتحية كانت ولود انجبت ثلاثة ابناء وثلاث بنات ملأوا حياة الجدين سعادة وفرح وكذلك مصطفى الاب الحنون . مع مرور الاعوام اصبحت فتحية هى الحاكم الناهى ولم تتحمل ام مصطفى سحب بساط البيت من بين يديها وحرصا منها على سعادة ابنها وخاصة انها ادركت بحس الامومة الذى لايخيب ان ابنها ملك يد زوجته وانه لايستطيع ان يحفظ لامه مكانتها على الرغم من حبه لها واظهاره هذا الحب للدنيا كلها وتغنيه وافتخاره بأنه ابن امه لذلك قررت الحاجة ام مصطفى العودة الى بلدها والعيش فى بيت ورثته عن ابيها منذ زمن وظل مغلقا وعللت ذلك القرار اولا لوفاة زوجها ثانيا لتكون بجوار ابنتها الارملة صاحبة كوم العيال كما قالت .فى بادىء الامر رفض مصطفى وطلب من كل المقربين من الاهل والجيران التدخل لاثناءها عن قرارها وبكى كثيرا امامها معلنا انه لايستطيع العودة الى البيت ولايجدها فيه ، وكادت ام مصطفى ان ترجع عن قرارها الا ان مصطفى ولاسباب لم تعلن جاءها يوما وقال لها : ادام كده هتكونى مستريحة خلاص براحتك. يومها جاءت ام مصطفى عندنا وبكت كثيرا وقالت لامى : هى فتحية اللى خلته ميتمسكش بيا زى ماهى اللى خليتنى عايزه اهج منها لله ، انا هاامشى وهااوصيكى على مصطفى خلى بالك منه وانا هاادعيله ربنا ينور بصره وبصيرته ويعرفها على حقيقتها. انتهى اللقاء بالعناق والقبلات والبكاء من امى وام مصطفى وبعدها سافرت ولم تعد وسمعنا عن خبر وفاتها بعد سفرها بشهور قليلة من ابنها الذى كان فى زيارتها وماتت وهى تشرب معه الشاى وطلبت منه ان يأخذها فى حضنه لانها تشعر بحنين له وشوق جارف .
بموت ام مصطفى شاخ مصطفى فجأة واصبح كئيبا؛ ولاندرى السبب. كل مانسمعه صراخ فتحية وصراعها الدائم مع زوجها وابناءها.
وفى يوم استيقظت منطقتنا تتهامس عن اختفاء الابنة الكبرى لعم مصطفى مع ابن الجيران ومنذ ذلك اليوم وتحولت فتحية من السيدة دائمة الشكوى والصراخ الى كائن مستغفر ليل نهار وصاحبة عبارة لينا رب ، وايضا دائمة البكاء ودموعها اصبحت سهلة تنهمر لاى سبب مهما كان . بهروب الابنة الكبرى لمصطفى اعتزل مصطفى الحياة واهمل كل شىء وانزوى فى غرفة من غرف المنزل يدارى نفسه عن الناس . ولم تمض اشهر قليلة الا وسمعنا صراخا من بيتنا المجاور الذى يقطنه عم مصطفى لنعرف وفاته وحزنت منطقتنا كلها عليه . ومنذ ذلك اليوم واصبحت فتحية تقول وتسمع منها جملة واحدة لاتتغير ابدا وهى لينا رب .