عشرون عاما بعد موته وهو لاينسى لحظة حضور ملك الموت وترجيه له بان يتركه للحياة . ومع اصرار الملك على تنفيذ الامر الالهى ترجاه بأن يجعله على اطلاع بما يحدث فى دنيا فاستجاب الملك وجعل بينه وبين الحياة مايشبه الكاميرا الدنيوية يشاهد من خلالها مجريات الاحداث ومتغيراتها . ومات هو وفى اول يوم رأى اهل بيته فى حزن جلل وزوجته تبكى وتنعيه واولاده يستعرضون حياته معهم وكم كان حنونا وطيبا وبذخا معهم .
استمر الحال على ذلك بضعة اسابيع وبعدها لم يعد يذكر اسمه الا بين الحين والاخر وبسرعة غريبة يقال الله يرحمه ويتغير مجرى الحديث ، زوجته واولاده حصلوا على مكافأة خروجه من الحياة والعمل وتغيرت بها حياتهم فلبسوا واكلوا وتنزهوا بهذه الاموال وفرحوا وسعدوا وكبروا وتزوجوا وحتى زوجته تزوجت من شاب يصغرها سنا ومقاما وقيمة .
كان كلما يطلع على الجديد فى حياة اسرته يقع بين شعورين الفرح لابناءه والحزن من زوجته وليس عليها ويتذكر حديثها معه بأنها له فقط دنيا واخرة .
فى مقر عمله كانت الاحوال مختلفة كل الاختلاف فلايمضى يوم الا ويذكر اسمه مقرونا بالرحمة والدعاء له على طيب عمله وصدقاته التى ينعم بها الكثيرين من صغار الموظفين او مايعرفوا باصحاب الخدمات المعاونة .
مابين بيته وعمله كان اهله لاينسونه ابدا ويترحمون عليه ويبكون كلما جاء ذكر اسمه .. سأل ملائكة برزخه عن كتلة حزينة لايستطيع ان يتعرف عليها من كثرة حزنها وغياب ملامحها من النحيب والبكاء المتواصلين ووهن جسم من لايعرف كيف يصل اليها .
رفض ملك البرزخ اطلاعه على هويتها ولايدرى لماذا رفض ولكنه اصر لان قلبه متعلق بها ويريد معرفة سبب حزنها وبكاءها ، استجابة لالحاحه اخبره الملك انها امه التى علمت بوفاته فى عالمها الاخر ومن يومها وهى حزينة وتأبى ان تطلعه على حزنها حتى لايحزن ..