تتوالى السنين وتقف عند هذا اليوم الذى بدأ باتصال هاتفى منه يحدثها عن شوقه الجارف لها وحنينه للارتماء فى حضنها وتعهده بالايتركها ابدا لانه رغم ان غيابه عنها والذى لم يكمل اسبوع الا انه يتقطع فى غيابها عنه الف مرة ومرة فى كل ساعة ،وعندما استوقفته بأن ساعات هذا اليوم فقط هى من تفصله عنها وفى الصباح سيعود ويعيشان كما كانا فى سعادة وهناء ،صمت لوهلة ورد عليها مين قالك ؟
فلما اعادت عليه ماقاله وطلبت التوضيح تجاهل وقال لها هتوحشينى وبتوحشينى ياحبيبتى.
..وانتهت المكالمة لتعقبها اشياء غريبة مثل وقوع صورته من مكانها ورغم انها تضعها مرة اخرى وتتاكد انه مثبتة تماما الا انها تقع مرة اخرى ،وبعد ساعة من انتهاء المكالمة تتوقف عقارب الساعة المعلقة على الحائط لتقوم هى بتركيب حجارة جديدة لها ظنا منها بانها انتهت ولكن الساعة تصر على التوقف على الساعة الثالثة والنصف عصرا ،
يصاحب كل هذا انقباض قلبها وشعورها بزهق غريب وحزن جاثم على صدرها لاتدرى سببه ،ورغبة ملحة بالبكاء غير المبرر.تحاول ان تبحث عن اسباب ذلك الشعور الغريب الا انها تبعد عن احساسها بان حادثا جللا سيحدث ، ولكنها لاتعرف او ربما تتخوف من تصديق هواجسها ،يقطع هذا التفكير اتصال اخر من صديقتها غير مرتب يجعلها تجرى مسرعة بلا رؤية لانها استشفت من كلام صديقتها انها تخف شيئا حدث لحبيبها وفرحتها فى الحياة ومن القاهرة الى الاسماعيلية تفكر وتتوقع كل شىء ولكنها تتلهف لرؤياه حيث كان يشارك فى بطولة للكاراتيه تلك الرياضة التى اختارها منذ ان كان عمره ست سنوات …
تتوقع انه قد اصيب وتتلهف للاطمئنان عليه تتصل بكل من معه اخيه الاصغر لايعطيها اجابة قاطعة ،الكل يتهرب من طمأنتها عليه ولكنها تداوم الاتصال وهى فى طريقها الذى حسبت ساعته عمرا وتسال احدى صديقاتها عنه وتقول لها قوليلى ماله وتاتيها الاجابة مزلزلة ميغلاش ع اللى خلقه
يتوقف الزمن وتعود لاحداث يومها صورته التى وقعت على الارض عقارب الساعة النى توقفت فى موعد وفاته كما قالت لها صديقتها وهى تنتحب عليه …
تصل الى مستشفى الاسماعيلية وتجد الدنيا كلها هناك وتصر على الدخول اليه بمفردها وترفض ان يشاركها احد رؤيته وهو فى وضعية الموت فهى احق برؤيته من كل الناس وتنظر اليه فقد كان مبتسما كما لو كان نائما وكعادته فى حياته راسما ابتسامة دائمة على وجهه عاملا بقول رسولنا الكريم التبسم فى وجه اخيك صدقة…
تحتضن جسده وتشعر انه يضمها اليه وتقبل جبينه وتودعه وتخرج معه وتصر ان تصحبه فى سيارة الاسعاف وترافقه وتقضى معه الليل نائمة بجواره وفى داخلها رغبة بان تكشف عنه كفنه اذ ربما انه نائما وسيصحو اذا ماقامت بذلك ولكن هيهات فجسمه ممدا وجسده باردا وتتأكد مع مرور ساعات الليل انها تتمنى المستحيل. ..
ويأتى الصباح ومعه يأتى من سياخذوه منها لدفنه ومواراة جثمانه التراب الى الابد وترافقهم حتى مدفنه وبعد ان يمشوا تظل هى امام قبره لتودعه الوداع الاخير وتطمئنه انها لن تنساه وكيف لها ان تنسى اول فرحتها واول من ناداها بماما واول من شعرت بحبه وبحنيته طوال ستة عشرة عاما هم عمره معها..
.والان وبعد مضى سنوات على وفاته تتاكد من رحمة ربنا بابنها عندما حرمه من الحياة ليهنأ عند الله بحياة ابدية ولتتاكد ايضا ان ابنها محبوب من الله الذى لم يتركه لهذه المرحلة من الحياة بكل مافيها من غرائب وعجائب وانهيارات..
اليك ابنى البكر امجد كل ايات المغفرة والرحمة …