منذ ان وعيت الحياة وانا اراها تبيع الخضار امام بيت تسكن احدى شققه هى واولادها الخمسه .
كانت سيدة يصعب فهم ملامحها ولاتستطيع ان تعرف ماتخفيه وراء هذه الملامح القوية حينا والمرحة احيانا كثيرة .
كانت امى عندما تطلب منى ان اشترى من ام حويحى وهذا كان اسم اكبر ابناءها كنت اسعد جدا واجرى اليها واجلس بجوارها حتى تنتقى لى ماطلبته امى وتعطينى قليلا من الترمس الذى كانت تبيعه فى موسم الشتاء هو والحمص بجانب الخضار لكى تزيد من رزقها ورزق ابنائها الكثر الذين تربيهم بعد وفاة زوجها وهى مازالت عشرينية العمر ؛ وهو ايضا كان فى اوائل الثلاثينات عندما اقعده المرض عن الحركة وعن العمل واصبحت هى من تقوم بكل شىء وكلها عزيمة واصرار .
ام حويحى كانت سيدة عظيمة فى كل شىء وكانت محط احترام الجميع من اهل المنطقة وكانت ابية النفس لاتستجدى احد ولا تطلب شيئا ابدا مهما كانت حاجتها اليه . وكنا فى الاعياد نذهب اليها بلحم الاضحية وببعض الملابس التى يحضرها ابى رحمه الله وكان يطلب من امى ان اذهب اليها ليلا حتى لايراها احد وحتى يطمئن ان السيدة العفيفة لن تعيد امى بما جاءت به من منطلق تعففها الجم ،مرة من المرات تبعت امى وهى فى طريقها الى ست ام حويحى ووجدتها تحتضن امى وتقص لها الكثير والكثير من تاريخ كفاحها من اجل ابناءها وعندما ذكرت زوجها بكت وقالت كان خايف عليا من الدنيا وانا لوحدى وهو بيموت قالى على عينى اسيبك من غير سند ولا مال بس ربنا هيحفظك ، وضحك وقالى وانتى قوية وهتقدرى تعافرى مع الجن .. وادينى بأعافر ادعيلى بالقوة فى كل وقت حملتك امانة.. وتعود امى وتدعو لها بصوت مرتفع فى كل وقت كما طلبت منهاوبالطبع كانت تدعو لها اثناء الصلاة .. اكبر انا وتأخذنى الدنيا وابتعد عن مكان اقامتى وانتقل لاماكن اخرى كثيرة بحكم العمل والزواج والسفر ويغيب عنى كل مايتعلق بأم حويحى الى ان اراها فى منامى كثيرا وبنفس الحلم الذى لايتغير وهو طلب الخروج والعودة الى الحياة، واعود الى منطقة النشأة واسأل عنها واعلم ان اولادها اصبحوا فى مراكز مرموقة وانها انتقلت معهم الى حى فخيم يليق بوضعهم الحالى ، واشد الرحيل اليهم بدون سابق انذار لعلمى اننى لست بغريبة عليهم ، وادق بابهم الذى يشبه ابواب القصور وبالفعل فقد بنى البيت كما لو كان قصرا ،فيفتح لى ابنها البكر حويحى وكدت الا اعرفه لو لا الشامة التى تعتلى جبهته وكنا نسخر منه ونحن صغار ونقول له اغسل وشك من اللى رمى عليك حتة هشك بشك
.. فتح لى وعرفنى ورحب بى وسألته عن امه فأخذنى اليها واحتضنتها وفرحت جدا بقدومى وقالت لى كما كانت تقول لى وانا طفلة ولم اكن اعرف معناه
..قالت جملتها الابدية يخرب مطاينك كبرتى واحلويتى .. ساعتها سألتها عن المعنى فضحكت وقالت والله مااعرف انا طلعت لقيت امى وجدتى بيقولوها بس معناها قريب من يخرب عقلك وضحكت وانا ايضا
.. وحكت لى عن دنياها الحالية وعن اولادها ومناصبهم وبكت عندما ذكرت ذلك وقالت : بيستعروا منى مش عايزين يخرجونى بره الأوده ديه ، اى نعم مش مخليينى عايزه حاجه ، بس حكموا عليا بالموت .. قوليلهم يفرجوا عنى .. وصمتت هى وتقوقعت انا لاتأكد ان مارأيته لم يكن حلما بل كانت مناداة ارواح وكانت تريدنى ان اسهم فى فك اسرها ، وخرجت من حجرتها انادى على ابنائها واقص عليهم مارأيته وهو ماجعلنى آتى اليهم ولكنهم اصروا ان تظل امهم سجينة حجرتها لانهم اصحاب مناصب ومراكز ستتغير حتميتها بظهور امهم بما هى عليه من جهل وعفوية
.. اسقط فى يدى ومشيت وانا كلي الم هل من حق من وهبت كل الامانى والامنيات الا تتمنى لنفسها الحياة!!!!!!
بكت صديقتي وهى تحكى لى ماذكرته وتسألنى عن النصيحة فلم املك سوى ان اشاركها البكاء والدعاء لام حويحى بالصبر على الابتلاء …….