على عكس اسمها كانت هى كائن نشيط مفعم بالحيوية ، تتنقل كالفراشة فى كل مكان لاتهوى قعدة البيت على الاطلاق تنتظر اى طلب من الشارع لتجرى بسرعة وتحضره ولاتمل ولاتتعب ان خرجت الف مرة ولكنها تمرض اذا مضى عليها يوم وهى فى البيت ، هداية كانت اجمل اخواتها الاربعة بل واخيها الوحيد ايضا ، كانت فائقة الجمال بيضاء كالشمع وخدودها مشوبة بحمرة ربانية وعينان واسعتان لونهما بلون الشمس ساعة الغروب ، جمالها هذا منذ صغرها جعلها محط الانظار لدرجة ان كل من كان يأتى لزيارتهم فى البيت كان يغازلها على صغر عمرها الذى لم يتخطى الثمانية ويطلب منها الزواج وكانت ترد بعفوية وتوافق ويضحكون وتضحك هى وهو الامر الذى اغضب ابيها وحذرها من هذا الحديث وقال لها بحزم واصرار اذا قال لك احد تتزوجينى ردى عليه وقولى اتجوز الترب .
وقد كان هذا الرد رادع ولم يعد احدا يطلب منها ذلك ، كبرت هداية وازدادت جمالا وشبابا وكل شباب المنطقة يطرق باب ابيها طالبا يدها وانهت تعليما متوسطا وعملت فى واحدة من الاجهزة الحكومية وزاد خاطيوها وزاد معهم دلالها وترفعها ، وعندما كانت تعود من العمل كنا نعرف موعد عودتها بكميات الحلويات التى تسقط علينا نحن اخوتها ووالديها وكانت تضحك وتنظر الى ابويها وتقول : انا ماليش دعوة انا معاكم اهوه ..
وينظر ابيها إلى امها بلا اية تعليقات …..
أمها كانت سعيدة بها وبحب المنطقة كلها لها وبتهافت كل الخطاب عليها ولكنها كانت دوما تخاف عليها وتقلق اذا تأخرت عن العمل ويوسوس لها الشيطان الف وسواس يقطعهم طمأنة ابيها انه طيلة عمره لم يقترف ذنبا ولم يفعل مايغضب الله وعليه فإن ابنائه الستة سينعمون دوما بالستر والرضا .
هداية كانت طيبة إلى أقصى الدرجات وكانت تحب اسرتها ولاتبخل عليهم بكل دخلها وبكل ماتحصل عليه وكان يوم اجازتها يوم عيد على الاسرة فهى تحضر جميع انواع الطعام والحلويات وتفرح بفرح اسرتها ، وفى اية عزائم تكون هى من يحضر كل ماتتطلبه العزائم بحب وايثار ، جمال هداية كان بقدر ماهو سعد لها بقدر ماهو قلق لاسرتها فكل العرسان يطرقون الابواب من اجلها على حساب باقى البنات ، وايضا شدتها وجديتها فى التعامل جعل ضعاف النفوس يطلقون عليها الشائعات التى لم تكن تتأثر هى بها ولكنها كانت كفيلة بأن تجعل ابويها يحجمون خروجها وتنقلها وهو الامر الذى كان يخنقها ويصيبها بالاكتئاب فهى كائن منطلق لايفضل البيت ابدا الا فى النوم فقط .
خطبت هداية لابن عمتها واصر ابيها على عقد القران ورفض مطلبها بأن تكون خطبة فقط لأنها تريد أن تتعرف عليه وتفهمه إلا أن أبيها أصر ، مع الوقت رفضت هداية الاستمرار مع ابن عمتها لأسباب كثيرة لعل اهمها بخله كما شعرت هى ، رفض هداية لم يلق قبولا وقامت الدنيا ولم تقعد واصبح كل فرد فى العائلة يسعى لاقناعها بل وتخويفها بأنها ستحصل على لقب مطلقة وهى بنت وكيف أن ذلك بمثابة وصمة فى تاريخها الانثوى .
ولكنها تصر على تركه مهما حدث وفشلت معها كل الطرق الدبلوماسية وغير الدبلوماسية وحصلت على ماارادت وتركت بذلك الموقف شرخ فى جدار العائلة بين ابيها وعمتها وكل من يدعمهما ويخالفهما ، لم تعبأ هداية ،وواصلت عملها وطريقتها فى الحياة التى تتلخص فى أن تفعل كل شىء مادام ليس عيبا أو حراما فهى تخرج وتتنزه وتسافر وتؤدى كل واجباتها العائلية بحب وايثار ، وبعد فترة ليست بالطويلة تعرفت عليه ، ذلك الشاب الذى استطاع أن يجعلها تحبه وتصر عليه رغم عدم التوافق التعليمى ولا حتى الوظيفى إلا أنها أحبته وأتت به إلى اهلها ووافقوا لأنهم لمسوا فيه اصالة وشعروا كأنه ابنا لهم .
وكذلك اهله وخاصة امه التى احبتها اسرة هداية كلها وتعاملوا معها على أنها اختا لامهم وليست حماة اختهم وابنتهم ، فى سنوات قليلة استطاعت هداية أن تساعد زوجها فى تغيير واقعه الوظيفي والمعيشي وكانت فاتحة خير عليه وتحسنت كل اوضاعه المالية والعائلية ..
انجبت هداية من زوجها عبد السلام خمس أبناء اربعة بنات وولد وحيد ، وكانت كلما انجبت بنتا تضحك وتقول كنت اعاير أمى بخلفة البنات وكلما تنجب بنتا كنت أقول لها ارميها فى الحمام وها أنا ذا خلفتى كلها بنات وولد وحيد يعيد تاريخ خاله .
كبروا الابناء وتزوجوا وانجبوا وصارت هداية جدة ولكنها لازالت جميلة ولاتزال عيونها تلمع بالشباب والحيوية، ويظل زوجها متعلقا بها محبا لها إلى اقصى الدرجات ، يبكى إذا اصابها مكروه ، ويفرح لفرحها ويحرص كل الحرص على اسعادها ، يعلن أمام الكل أنه يتمنى أن يكون يومه قبل يومها ويزيد فى وصفه بأنه لايستطيع أن يتحمل العيش بدونها للحظة وبأنه بالكاد يتحمل سفرها لزيارة الابناء ، ويرفع دوما يده الى السماء ويطلب من الله الا يحرمه منها ، وتربت عليه هداية وتؤكد له انها تواظب على نفس دعوته التى ترددها منذ ان التقت به من حوالى اربعين عاما عمر حبها وزواجها وعيشتها معه وفى بيته وفى قلبه ..