كلما مررت عليه ارسلت له ابتسامة لاادرى لماذا ارسلها له رغم انه لايعرف للابتسام طريقا ولكننى كنت كلما رأيته جالسا فى مكتبه الذى اصبح عليه وامسى فى طريقى من بيتى الى عملى والعكس كنت كلما رأيته ابتسم له ولاانتظر رده ولاحتى انظر اليه .
ظللت هكذا عمرا، حتى جاء يوم نظرت اليه وجدته صارا عجوزا وشاب شعره وتقوس ظهره واصبح غير ذلك الذى سمعت عنه وكانت حكاياته حديث كل من فى عمارتنا وحينا القديم فى جاردن سيتى ..
كان جاسر سليل اسرة عريقة تعلم فى المدارس الفرنسية وورث شركة ابيه منعم باشا للتصدير والاستيراد . جاسر كان مثال للشاب الذى لايمنع نفسه من اى شىء كان محبا للحياة بكل مافيها من محظورات وساعده على ذلك ان البنات كن يرمين انفسهن تحت قدميه وكن يتفاخرن بانهن من خليلاته وبأنه سمح لاحداهن بان تجالسه .
مدام فينى الايطالية الجنسية والدة جاسر واخته دورا لم تكونا راضيتين عن سلوك جاسر وكان ذلك سبب مشاكل فينى المستمرة مع ابيه الذى كان يرى ان من حق جاسر ان ينهل من الحياة مادام لايؤذى احد وكانت فينى ترد عليه وتقول انه يؤذى نفسه وهل بعد اذى النفس اذى؟؟
دورا كانت تتعامل مع جاسر بقدر جمالها وحبها له وكانت ترى ان الايام ستغيره .دورا كانت كأمها لاتحب الا الطرق المستوية وتبعد عن كل ماهو حرام ..
احبت صديقها وتزوجته وعاشت معه ثلاث سنوات سعيدة ايما سعادة وانجبت ابنين جميلين مثلها ومثل ابيهما ولكن دورا لم يكتب لها مواصلة الغوص فى بحر السعادة الطاهرة فمرضت مرضا عضالا ربما كان السرطان فى عصرنا هذا وتوفاها الله بعد ثلاثة اشهر من المرض وبموت دورا اختل توازن البيت العريق فلم تستطع الام مواصلة العيش فى مصر وقررت العودة الى بلادها ومعها ابنا ابنتها الا ان ابيهم رفض ابتعادهما عنه عارضا على اسرة زوجته ان يظل ابناه فى بيت العائله مع الجد والحدة والخال لانه لن يستطيع ان يلبى طلباتهما وخاصة انهما صغار فى السن ويخاف عليهما ان احضر لهما مربية تفسد ماتركته امهما الغاليه فيهما ؛ ومؤكدا فى نفس الوقت انه لن يتزوج ابدا بعد دورا ؛ وانه كان يتمنى ان لم يكن وحيدا لكى تتولى اسرته رعاية ابنيه .
بعرض زوج دورا ورفض امها البقاء فى مصر كان على جاسر ان يبادر باحتضان هذان الطفلان ويؤكد لابيهما انه سيرعاهما .
ابو جاسر لم يتحمل وفاة ابنته التى كان يعشقها ولايمر يوم الا ويذهب عندها او تأتى عنده منذ زواجها وحتى مصارعتها للمرض الذى جعله يائسا بائسا فقد كانت دورا كما يسميها فاكهة حياته فهى ليست مجرد ابنة بل هى امه واخته وكل المعانى التى يصعب وصفها .. بوفاة دورا تحول الاب الى سكير وفشل جاسر فى اخراج ابيه من حالة الخروج من دائرة رحمة الله واصبح حال ابيه يتدرج من سيء لاسوأ حتى وجدوه ميتا فى حجرته محتضنا صورة ابنته دورا..اصبح البيت العتيق فيه فقط جاسر وابنا اخته وبين الحين والاخر يأتى زوج اخته ليرى ابنيه وملامحه تؤكد انه شبح انسان فرغم مرور الوقت الا انه يزداد حزنا على زوجته ، وطلب منه جاسر ان يتزوج والايحمل هم الابنان فهما فى عينه فبكى ساعتها زوج دورا وقال سأظلم اى امرأة اتزوجها فأنا انتهيت بنهاية دورا ، صدقنى اذا قلت لك اننى اعيش معها واحكى لها كل شىء وادعو الله ان يأخذنى اليها فى اسرع وقت ممكن لان بقائى فى حياة ليست هى فيها نصف موت . ولم يطل وجود زوج دورا فى الحياة وربما استجاب الله لدعائه فقد لقى مصرعه فى انقلاب سيارته ويقولون انه كان مبتسما ابتسامة جميلة ربما تنم عن حسن نهايته ومكانته.
جاسر بعد تلقى كل هذه الصدمات اصبحت كل حياته تسير فى اتجاهين ؛ عمله ، ورعاية ابنا اختيه ..وتمضى الايام والسنين ويكبر الابنان ويتخرجا من الجامعة الامريكية ويقررا ان يتركا البلد ويذهبا الى جدتهما ويعيشا هناك ويتركان جاسر وحيدا هرما كلما يمر به احد يقل له صدق زوج اختى عندما وصف حياته بأنها نصف الموت…