تتذكر اباها عندما كانت عبارة “مال القمر” يقولها لها عندما يراها حزينة ، كانت تدعى الحزن كى تسمع منه هذه العبارة فى بعض الاحيان ، لم يكن ابوها ابا عاديا بل كان اسطورة فهو ذلك الاب الذى تحمل تربية ثلاثة بنات وولدين تركتهم له زوجته بعد وفاتها فجأة وهى فى نهاية العقد الثالث من عمرها…
لم تنسَ نوارة ابدا هذا اليوم وكانت فى العاشرة من عمرها تجلس مع امها فى مغرب يوم الجمعة يضحكان وتقص على امها حكاوى البنات صديقاتها وهزارهن وتضحك الام بصوت عال وفجأة تسكت وتنظر اليها نوارة تستطلع سبب الصمت فتجد وجه امها شاحبا وتمسك بقلبها فتصرخ نوارة تنادى اباها الذى يجرى اليهما ويحملها مسرعا الى الطبيب القريب من منزلهم الريفى فى واحدة من قرى محافظة الشرقية ويجرى الابناء وراء ابيهم واحدا تلو الاخر ولكن قضاء الله ينفذ وتتوفى امهم بسكتة قلبية تاركة وراءها هذا الجيش من الابناء اكبرهم نوارة ذات السنوات العشر واصغرهم ادهم الذى لايزال رضيعا …..
سنون طويلة تحمل ابوهم قسوة الحياة موزعا وقته بين عمله فى مكتب الصحة وبيته مشركا معه ابنته نوارة فى تحمل المسؤلية رافضا كل مطالب الاسرة بالزواج من مطلقة او ارملة لرعاية ابناءها ورعايته هو كرجل على مشارف الاربعين ، ابو نوارة كان منبعا للحنان يحرص كل الحرص على توفير كل اساليب السعادة لاولاده قدر المستطاع . ….
وهاهى السنين تمضى ويتسرب الابناء واحدا تلو الاخر بعد انتهاء تعليمهم منهم من يتزوج ومنهم من يسافر وتبقى معه نوارة تبذل قصارى جهدها ان تسعده وتذيقه من مباهج الحياة التى حرم نفسه منها من اجلهم ولكن كل شىء امامها يؤكد ان اباها لم يعد يعنيه من الدنيا سوى اطمئنانه عليها فهو خائف من وفاته وتركها وحيدة بعدما انفض البيت وتركه الابناء …
وعلى الرغم من ان نوارة ذات مركز وظيفى راقى الا ان اباها يصر على زواجها حتى يرتاح قلبه وتقر عيناه وخاصة انه على يقين من ان رفضت الزواج من اجل ان تكون معه فى رعاية اخوتها وتخفيف العبء عنه ..
نوارة كانت تختزن بداخلها حمل كبير ممثلا فى حبها لزميلها قديما ورئيسها فى العمل حاليا والذى رفضت الارتباط به من اجل اخوتها ورعايتهم مع ابيها والان وبعد ان تزوج حبيبها وصار له ابناء يعرض عليها وبالحاح الارتباط رافضا اية اعذار لانه يحبها وايضا مسؤليتها تجاه اخوتها انتهت ورغم مابداخلها من قلق وتخوف من المجتمع ونظرته لها على انها خطافة رجالة وانزعاجها من ردة فعل زوجته وابناءه الا ان حبها لابيها ورغبتها فى اسعاده ونزع القلق عنه على مستقبلها وخوفه من تركها وحيدة وايضا قلبها الذى لازال ينبض لحبها الاول وربما الاخير كل هذه الاسباب جعلتها توافق وتتزوج وفى يوم زواجها مات ابيها وكأنه كان على علم باتمام رسالته وباطمئنانه على حبيبته التى كان يخشى عليه من الحزن واذا ما لمحه لمحا فى عينيها قال لها متلهفا : هو القمر ماله ؟! …