ماتت مها
التقيت بها فى اول يوم وطئت فيه قدمى مبنى الاذاعة والتلفزيون فى الدور الرابع حيث نعمل معا فى مكان واحد مع اختلاف التخصصات .
ملامحها الجميلة الهادئة تأخذك معها فى عالم غير كونى ، تؤثرك بأخلاقها الرفيعة وسموها الممزوج بتواضع غريب مبالغ فيه .
كنت اراها دوما مبتسمة لم اشاهدها ابدا حدينة او غاضبة او متململة من اى شىء ، دوما تحدثك وهى حامدة الله فى كل حديثها ، تقربت اكثر من مها التى تجيد الفرنسية والانجليزية لأتعلم منها واعرف عنها الكثير الجميل الطيب ، علمتنى مها بحكمة بليغة ان الحياة مهما طالت قصيرة واننا عليها ضيوف ولذا فيجب ان نترك الاثر الطيب ، عرفتنى مها سليلة العائلات وابنة الهوانم والبشوات ان المناصب تزول وكل شىء يمضى الا السمعة الطيبة فيجب ان نعمل على بقاءها بعد رحيلنا كى تعود الينا بالرحمات والدعوات ، حكت لى كثيرا عن ابويها وتعلقها بهما وحبها الجم لهما وسردت لى ايام وحكايات عن اخيها الوحيد الذى تشاركه ويشاركها حياة راضية مرضية لكليهما ..
سألتها مرة وانا على استحياء لماذا لم تتزوجى يامها ؟
فردت بعفوية : النصيب ليس مقدرا لى ان استكمل دورات الحياة الطبيعية وصمتت ولمحت فى عينيها دموع واحزان وسمعت حشرجة فى صوتها فندمت على السؤال وكأنها قد ادركت اسفى وتأسفى فهونت عليا وقالت لاأخفيكى سرا عرفت الحب ولكن القدر كان لى بالمرصاد وله وعشنا فى بعتد وبعد زمنى على امل اقتراب وتقارب فى الاخرة ففيها لاتوجد قيود ولا خوف ولاتخوف ، انا وهو على وعد الهى بقرب دائم وامتزاج ابدى .
اخذتنى الحياة واصبح لقاءنا قليل بل بالمصادفة ولكنها كانت تؤكد لي فى رسائل اصدقاءنا انها تهتم لأمري وتفرح لنجاحاتي وتحزن لاخفاقاتي ، تباعدنا اتسعت مساحته بانتقالي
من الاخبار المسموعة الى التلفزيون ولكنها ظلت فى قلبي ايقونة اتابع ماتنشره على صفحتها فى العالم الافتراضى وكانت معظمها صور لأمها وعائلتها الارستقراطية وبعض من الصور لاماكن ومقتنيات فخيمة تنشرها مها وتعلل وتبرر سبب النشر حتى تبعد عن نفسها اى تهمة او مجرد تلميح بأنها من بيت باشوات وهوانم مع انها كذلك ولكن تواضعها يجعلها تخشى ذلك وتقلق من مجرد احساس الاخرين بانها لاتشبههم .
من حوالى شهر او اقل علمت بمرض مها واتصلت بها وكان صوتها واهنا ومعنوياتها ليست على مايرام وعبثا حاولت تظهر عكس مافيها من تعب واختتمت حديثها بالدعاء لى بالسعادة وقالت وهى تضحك ضحكتها الهادئة الدنيا صغيرة ولازم نرضى بالمقسوم عشان الحياة هناك مش هنا اللى هنا محطة وهننزل منها للسكن الابدى ، وقبل ان ابوح لها بقبضة قلبى من هذا الحديث الذى اعرف مايأتى بعده على مدار عمري ممن عرفتهم وفارقونى قبل ذلك قالتلى مها : ادعيلى وانا هدعيلك ، ادعيلى بالراحة وانا هدعيلك بالسعادة .
وماتت مها بالامس ربما استجاب الله لدعائي لها بأن تنال ماتتمناه الا وهى الراحة وانا مازلت انتظر استجابة الله لدعائها لى بالسعادة التى اهتز بنيانها الهش عندي بمعرفتي بخبر وفاة الصديقة الصدوقة الصادقة مها …
فى جنة الخلد حبيبتى على رجاء بلقاء فى جنة الخلد..