صحوت أمس على خبر رحيل الاستاذ سليمان الحكيم ، الصحفى الثائر دوما ، الرافض لمعايير فرضت على وسائل الاعلام فرضا . التقيت بالاستاذ الحكيم مرات عدة كانت معظمها فى ندوات ولقاءات سجلت معه حينها فى نقابة الصحفيين وكان وقتها متقدما للترشح فيها وسألنى وسط الحوار معه عن المهنية وطرق الارتقاء بها وصاحبة الجلالة وكيف تتخلص من الدخلاء عليها ، استوقفنى متساءلا هل ترينى سأنجح فى هذه الانتخابات ؟ واندهشت للطرح نفسه ونظرت اليه ولم ادر بما أجبه ليستكمل حواره ويقول انى اؤمن بقدرة النساء الرهيبة فى استشفاف الغيب فمابالك بأن تكون من سيدة مثلك الكل يشهد لها بالاخلاق العالية والشفافية المفرطة .
اخذتنى الحماسة من مقدمته وقلت له والله يااستاذ سليمان انا عايشة بمفهوم ان انا اللى بأضيف للمنصب مش العكس وعليه تكيفت فى هذه المنظومة الاعلامية المبنية على اسس غير منطقية وغير سليمة بالمرة ، وانت سيد العارفين ان المناصب والاماكن تمنح لاصحاب الوسائط او من يجيدون فن النفاق اذا اعتبرناه فنا ، كما ان من يمنحوا المناصب فى الغالب ينتقون عديمي الرؤى حتى يسهل توجيههم وأمرهم وتنفيذ الاوامر بدون اى نقاش او ابداء وجهات النظر .
تبسم ضاحكا لتؤكد ملامحه مصريته وصلابة بنيانه وانتماءه الى مدينة باسلة هى الاسماعيلية احدى مدن القناة الباسلة ، ومزج ابتسامته بقوله انا كده عرفت انى مش هنجح فى الانتخابات لان اجابتك كلها من منطلق الذكاء الاجتماعى وان كنت اتفق معكى على منهجك ونهجك ..
تباعدت لقاءاتى بالحكيم لانى تركت القسم الخارجى ولم اعد اقوم بعمل لقاءات خارج ماسبيرو وتم تكليف اخرين بهذا العمل المحبب الى نفسى واكتفيت برئاسة التحرير ومتابعة الزملاء فى تقاريرهم الخارجية ، وتمضى سنوات والتقى بالحكيم فى محافظة الاسماعيلية وعندما علم انى هناك كان مضيافا الى ابعد الحدود وعرفنى على زوجته المصرية وابناءه منها وقال لى انا متزوج من سورية ولى منها ابناء ايضا ، فى بداية الامر حسبته يمازحنى ولكنه اخرج من محفظته صورة لفتاة فاتنة الجمال وقال هذه ابنتى من السورية وتخيلى انتى من انجبت هذا الجمال كيف تكون!!
وضحك ضحكة من امتلك الدنيا ومن فيها . لم ار الحكيم بعد هذين اللقاءين وجها لوجه ولكنى كنت اقرأ له واتابع مايكتبه وفى بعض الاحيان كنت اعلق بالرفض لجزئية من جزئيات الحوار وكعادته كان يرد بالحجة والبرهان ويقنعنى ولكنه كان دوما ثائرا رافضا الوضعية التى وصلت اليها صاحبة الجلالة ، راغبا فى فعل اى شىء لحبه وانتماءه وعمله الا وهى الصحافة .
منذ فترة قرأت له ماكتبه عن مهاجمة المرض له بعد اكثر من ستين عاما لم يجروء المرض على مجرد طرق بابه سوى بنزلات البرد التى كان قادرا على اخراجها بسرعة من بنيانه الفرعونى ، وقلت له بعيد الشر عنك يااستاذنا ، وعكة وهتزول فقال علها النهاية ..
وبالفعل وكأنه كان يعلم ان ورقة حياته اوشكت على السقوط وبأن دفاتره ستطوى وسيلقى ربه وهو قد مضى حائرا فى بلاط صاحبة الجلالة باحثا عن كل مايسعدها ويعلى بنيانها مهموما بها وبكل مامن شأنه يزيد من عظمتها قدرا ومقدارا ..
سلاما عليك فى دار الحق من اهل دار الباطل ولتنعم فى دار الراحة الابدية ونحن ان شاء لها بك لاحقون لأنك كعادتك سابقا سباقا فى كل شىء
رحم الله سليمان الحكيم وألهم أهله الصبر والسلوان .