منذ ان وعت عينه الدنيا وهو يسمع شجار ابويه وجفوة ابيه وبكاء امه وحزنها والمها ، ولم يكن يستوعب شىء ولايدرى كيف يقابل هذه العواصف التى تهب فجأة ولاتنتهى كما بدأت ولكنها تأخذ وقتا طويلا يترك فيه ابيه البيت ويختفى ليعود بعدها ويتكرر نفس السيناريو ولا تنسدل عليه ستارة النهاية ، حتى بعد ان انجبت امه اخا له لم يغير الاب من معاملته لامهما ولم تعد الاخيرة تتحمل المزيد من العذابات فطالبت زوجها بالانفصال ولم يتمسك الاب باسرته ووافق مجبرا اياها على التنازل عن كافة الحقوق وانقطع حبل الوصال بين الاثنين ولانها كانت تعلم ظروفه فقد آثرت ان تترك له شقة الزوجية يعيش فيها وعادت الى بيت ابيها فى العجوزة حيث شقة الاسرة التى تركها لها اخوتها الذكور الثلاثة عن طيب خاطر وقطع كل منهم على نفسه عهدا بأن يوفر لها مبلغا نقديا كل شهر يساعدوها فى المعيشة اضافة الى تعهدهم بتعليم ولديها حتى استكمال مشوارهما الدراسى .
فى العجوزة عاشا كريم وشادى مع امهما التى لم تنس ابيهما وكانت تتبع اخباره وتحاول ان تعيد الوصال الا انه ابى ونهرها وتعمد الابتعاد عن عالمها وحتى ولديه لم يسأل عنهما ولم يعرف اخبارهما وعندما كانت ترسل له درجاتهما وتفوقهما الدراسى كان رده بأنه لن يدفع اى مصاريف وان من اختارت الطلاق عليها تحمل قرارها ومواصلة مااختارته.
كبر ابنيها وزادت مصاريفهما وصارت محرجة من طلب المزيد من اخوتها فبحثت عن وظيفة ووجدتها مدرسة فى احدى المدارس الابتدائية ، مع خروجها من المنزل التقت بنوعيات من الرجال طيبة عرضت عليها الزواج واخرى سيئة نوهت واعلنت بكل انواع الموبقات ورفضت كل النوعيات وآثرت العيش من اجل ولديها وان كان قلبها يزاحم قرارها ويؤكد لها سرا وجهرا انه السبب فى عدم خوضها تجربة الزواج مرة اخرى لانه مشغول حبا بزوجها وابو ولديها ..
مرت اعوام واعوام والاب كما هو لايسأل ولا يمد وصال المحبة لاولاده ليزوروه ويزورهم لتصل الامور الى مرحلة اب فى شهادة الميلاد وابناء يتامى وان كا ابيهم حيا مع احتفاظ الاب بكامل رغبته بالابتعاد والعيش وحيدا…
يكبر كريم وينهى دراسته ويلتحق بوظيفة ساعده فيها احد اخواله ويتعرف على فتاة احلامه ويصارح امه فتسعد جدا بأن مشوار كفاحها اقترب من جنى الثمار وتطلب منه ان يذهب لابيه ويأخذه معه الى بيت اهل خطيبته ويطلب يدها ومعه ابيه سنده وعضده ، فيرد عليها كريم بأنه لن يقابله كما يفعل دوما وذكرها باخر مرة ذهب اليه فى رمضان ليفطر معه هو واخوه وكيف طردهما قبل الفطار بربع ساعة وبأن عمتهما واعمامه عندما رأوهما فى الشارع يحبسان دموعهما اصروا ان يفطرا معهم وبرروا مافعله ابيهم تبريرات غير مقنعة ، وردت امه بقولها خلاص تروح لعمتك واعمامك وتوسطهم ييجوا معاك لباباك
..انتهى الحديث بموافقة كريم لانه يعلم ان ذلك يرضى امه رضاء تاما ، يوم ذهابه الى ابيه رفض اخيه ان يأتى معه لانه يرفض ان يعيش الموقف السابق مرة اخرى ولايريد ان يزيد من رصيد ابيه السلبى معه.
فور وصوله وطرق باب عمته لم يفتح احدا وكذلك اعمامه ، فخرج اليه احد الجيران على معرفة به وعرض عليه الدخول الا ان كريم شكره وسأله عن عمته واعمامه فقال له من يوم ماأبوك مات من ست شهور وهمه فى البلد بيقولوا ان فيه خلافات على الميراث طالبه منهم يفضلوا فى سوهاج لغاية ميخلصوها ..
طوال طريقه من بيت ابيه واهله الى العجوزة حيث توجد امه واهيه وهو يبكى ويوبخ ابيه ويسأله بصوت عال عن سبب جفاءه وموته وحيدا بلا ابنيه يقفان فى عزاءه وفى مراسم دفنه؟
اى ذنب فعله هو واخوه حتى يطلقهما اباهما. كما طلق امهما ؟
يصل الى البيت لاعنا ابيه وامه والدنيا كلها متخذا قرارا بعدم الزواج والعيش وحيدا لتصدمه امه بانهيارها وصراخها بمعرفتها الخبر الذى ظن انه لن يفرق معها …