فى كل شتاء يتسرب اليه نفس الشعور الذى عاشه فى صغره وسط أسرته المترابطة بأب وأم محبين لبعضهما البعض وابناء رضعوا من هذا الحب فصار نبراس حياتهم . ..
فى الشتاء كان الأب يعود من عمله ليلا معه ابو فرو ويصر على إيقاظهم كلهم الزوجة والولدان والابنة ؛ ويشعل الموقد الصغير ويضع عليه ابو فرو وتبلغ سعادته عنان السماء وهم يفرحون ويتناولون ابو فرو ….
اصبح الشتاء عنده يعنى اللمة وأبو فرو وسعادة ابيه وحنان أمه المتدفق ، ومضت بهم الحياة وينتظر الشتاء ليدفأ قلبه بروح الأسرة الطيبة ويأتى شتاء تلو آخر وتتسرب معانى من معانيه المعتادة وينفرط عقد الأسرة واحداً تلو الآخر الأب ثم الأم ، وشتاء آخر تتزوج فيه أختهم الوحيدة وتهاجر مع زوجها الى كندا ؛ وشتاء قادم يقرر فيه أخيه السفر بلا عودة معلنا لجوءا سياسيا حتى يضمن قبوله فى بلد تحتوى حزنه وعدم حصوله على الكثير من آمال كان يسعى لتحقيقها …
ويظل هو فى بيت من حوائط وأسقف ولكن ليس به روح ؛ فى كل يوم يستيقظ على صوت أمه تحذره من فوت موعد العمل فيقوم مسرعا ، ليسمع صوت ابيه يذكره بالصلاة حتى يبارك الله له فى يومه وعمله وحياته كلها ؛ وبعدها يسمع صوت أخته وهى توصيه بأن يحافظ على نفسه لانه كل مالديها فى الدنيا فهو ميراث دنيتها بعد أمها وأبيها وغياب أخيها فى عالمه الجديد ….
عقد كامل وهو يعيش بنفس الطريقة رافضا استماع نصائح أقاربه وزملاءه بالزواج وتكوين أسرة متخوفا من ان ينجب ابناء يعانون مثل معاناته بعد فقد أبويه وذهاب اخته وأخيه كل فى حياته …
كان يقول ان الحياة تبلغ قسوتها مداها بموت الأبوين وتزداد شراسة عندما تترك الابناء يعانون من احزان الفقد ومواجهة الحياة بلا اب وأم وأخوة عاشوا معهم وبهم عمرا…..
وفى يوم شتوى مثل أيام ابيه ولمة العيلة وأكل ابو فرو ، طرقت بابه فتاة اقل ماتوصف به بأنها جميلة ، طلبت منه ان تختبىء عنده حتى تشرق الشمس وبعدها سترحل ، لم يرفض طلبها ولم يسألها عن اى شىء فقط عندما أشرقت صباح اليوم طلب منها ان تبقى معه لحين انتهاء الشتاء ووعدها بأنه سيجلب لها يوميا ابو فرو ويحكى لها ويستمع منها ويضحك ويسعدها وينسبها برودة الشتاء ….
يفتح شبابيك حياته وينظر اليها فهى كما جاءت اليه منذ سنوات جميلة وأولادها كذلك وهو ينتظر ان ينتهى الشتاء .