تعرف عليها خلال رحلة عمل له فى روسيا وهام بها حبا وهى ايضا ووجه لها الدعوة لزيارة بلاده ولبت الدعوة…
وجاءت إلى مصر وعاشت فيها اسبوعا أحبت فيه البلد ومن دعاها اليها ، وعرض عليها الزواج فوافقت على الفور وانتقلت للعيش معه وشربا من نهر السعادة خمس سنين كانت فيهم نموذج يحكى عنه لكل اصحابه لدرجة أنهم كلهم كانوا يحسدونه عليها ويعضون على اصابعهم من الغيظ بأنهم لم يتزوجوا روسية مثله .
كاترينا كانت تحب جاسر حبا ملكها وجعلها آمة عنده ، كان اذا سألها عن أى شىء يحضره لها حين عودته من مكتبه ترد بلكنة مصرية جميلة بأن عودته سالما هى أغلى ماتتمناه ، لم تطلب منه أى شىء مثلما تفعل معظم الزوجات وتبالغ في الطلبات ورغم ذلك فقد مل جاسر من هذه الطاعة ومن هذا القبول المتواصل منها لكل اخطاءه وعيوبه ومشاكله وعربدته التى اصبحت تترك اثارا فى ملابسه وسلوكه وعودته فى معظم الايام سكيرا وفى أيام اخرى إما من بيت احدى الغانيات أو مصطحبا اياها معه ليكمل مجونه وقهره لكاترينا التى فاض بها الكيل وطفح واعلنت رفضها لما يفعله جاسر فى حقها .
فجاء رد فعله بالضرب المبرح وتركها تئن وتنزف دما ليكمل ليله فى مكان اخر بعيد عنها وعن نكدها وقرفها كما قال لها وهو يسحب جاكيته من على الشماعة ويصفق الباب بعده بكل ماأوتى من قوة .
مضت ساعات الليل وعاد جاسر مترنحا فى الظهيرة ، نادى عليها ولم يسمع إجابة فقال أنها تريده أن يتنازل ويذهب إليها ويصالحها ولكن هيهات أن يفعل ذلك فهو سيتركها وينام فى حجرة اخرى حتى تأتي ذليلة إليه تطلب منه العفو والغفران وتتغاضى عن كل مايفعله .
صحا جاسر بعد ساعات طوال من النوم شاعرا بالجوع فنادى عليها بنفس الصوت الاجش الحازم طالبا منها تعد له الطعام ولم تجب ايضا ، فخلع حزامه من بنطاله ليذهب إليها ويعلمها الادب ويلقنها درسا بأن تجيب فور سماعها صوته ودخل حجرة نومهما ولم يجدها ، جرى مسرعا إلى المطبخ وكل مكان فى الشقة ولم يجدها .
جن جنونه وجرى مسرعا إلى السطوح حيث مكانها المفضل لاستنشاق الهواء ورؤية مصر من الاعلى ، ولم يجدها ايضا .
التقط هاتفه وطلبها وجد رقمها خارج الخدمة ،إرتبك وشعر بالقلق فهى لاتعرف احدا فى مصر سوى مارينا صديقتها في السفارة الروسية فطلبها ولم ترد عليه ، فارتدى ملابسه مسرعا واخذ سيارته وجرى إلى مارينا وطرق الباب بعنف وعندما فتحت جرى داخل البيت يبحث عنها وينادى عليها بأعلى صوته وخرج الزوج والابناء مستاءين منه ومن سلوكه ليخبروه بأنها لم تأت عندهم ، يوجه حديثه إلى مارينا ويستعطفها بأن تخبره أين هى فترد بكل هدوء ؛ متدورش عليها لأنك مش هتلاقيها وحتى إإن لاقتها مش هترجع معاك هى خلاص استنفذت طاقتها معاك ورصيدك عندها نفذ ..
يغادر منزلهم حزينا وفى الصباح يقرر أن يسافر اليها وينصحه صديقه بمعرفة حقيقة سفرها من عدمه من خلال بيانات المسافرين ولايعثر على أى خيط يأخذه اليها ، يبحث فى المستشفيات ويقدم بلاغات فى الاقسام ويعرض صورها ويجزل العطاء لمن يمده بأى معلومة عنها وللاسف كل محاولاته تبوء بالفشل ويرضخ للواقع المرير ويختزن حزنه واسفه على مافعله بها وجعلها تهرب منه وتتركه بلا اية كلمات وداع .
مضت سنوات كثيرة وهو منتظرا عودتها وكلما سمع وقع اقدام يجري مسرعا إلى الباب ليستقبلها ولكن لم يحدث ذلك ، حياته مضت فى اسوأ صورها لم يتزوج ولم يفكر فيه ابدا فهو يريدها هى ويتمنى أن تعود كي يطلب منها الصفح والعفو والغفران .
فى يوم بعد ربع قرن بالتمام من اختفاءها جاء خطاب منها ، كلماته كانت بلا أية مشاعر وفيها تخبره بأنها تزوجت وتعيش في سويسرا والاهم من كل ماذكرته هو ابنك الذى من حقك علي أن تعرف أن لك ابنا ولكن ابنك ينادى زوجى ببابا ، ومرفق في الخطاب صوره لابنك وهو يدير مصنعه فى زيورخ والعنوان إن كنت ترغب فى مراسلتنا ومعرفة المزيد عن ابنك .
عندما انتهى من قراءة الخطاب بكى بكاء مرا ليس على الفراق فقط ولكن من البرود وجفاء المشاعر من كاتبة الخطاب وتعجب كيف لمن كانت تحمل كل الحب له أن تحمل هذا التجاهل ..
لم يكن فى الخطاب مايسعده سوى أن له ابنا ، أكمل اوراق سفره وطار إليها كم كان يود حينما يلقاها أن تكون كما كانت منتظره اياه ويرتمى فى احضانها ويشكو لها مما فعله به الشوق والفراق ولكنه وجدها متأبطة كتف زوجها ومازالت جميلة بل ازدادت جمالا …
قبلته كعادة الغرب وعرفته على زوجها وهى تنظر إليه نظرات الحب والوله التى كانت لجاسر فى قديم الزمان .
سأل عن ابنه فأعادت اليه ماقالته بأن ابيه فى الاوراق هو هذا الرجل الذى رباه وعلمه واعطاه مصنعه يديره فما كان من جاسر إلا أن شكر الزوج وعرض عليه أن يدفع له كل ماصرفه على ابنه ونظر اليه الزوج باستنكار واستهجان وتركه ومضى بعيدا طالبا من زوجته أن تلحق به وحينها جذبها جاسر إليه واخبرها أنه لم يتزوج وانتظرها عمره كله كي تعود فضحكت وبكت فى نفس الوقت وهى تقول انا اردت الحياة وانت اردت لي الموت فمن الطبيعى ان تنتصر الحياة …
وتركته وهى تمسح دموعها حتى لايراها زوجها والتفت وقالت: أنا حبيتك اوى ياجاسر لدرجة إنى مقدرتش أحب أى حد زى محبيتك حتى جوزى محبتهوش ادك ولازيك ، وابنك حته منك وكان بيصبرني على فراقك كل مااشوفه افتكرك وكل افعاله زيك بالملي ، وطريقة اكله والوانه المفضلة حتى حبه زيك بيغرقنى فى حنيته وفى لحظة يتحول وبعدها يعتذر …
صمتت وقالت احسنلك متروحش تقابله عشان متتعذبش أكتر ، أنهت كلامها ولم تنتظر رده الذى كان اصرارا منه على أن يذهب إليه وحينما راه وجد شبابه أمامه نسخة منه ، عرفه بنفسه ليقابل بردة فعل اقتلعت قلبه فقد قال له بكل هدوء ورثه من أمه قائلا انا مبعترفش بالاب الجيني…
أنا بعترف بالاب العملي اللى ربى وكير وتعب إنما حضرتك أب متعة فقط ، دافع جاسر عن نفسه بأنه لم يكن يعلم بأن له ابنا ولكن هيهات أن يقتنع الابن ليترك أبيه حزينا حازما امتعته عائدا إلى بلده وشقته متخلصا من كل مافيها بذكرياتها وسنوات انتظاره ليتزوج بفتاة تصغره بعشرين عاما وينجب منها ولدا وبنت اسماهما باسم زوجته الروسية وابنه..