عندما ماتت امه تركته واخوين له واخت منزوعى الجدور فلا خال ولا خالة ، فقط أبيهم وأعمامه وجدته وكلهم لهم عوالمهم التى لاتستطيع الاهتمام باربعة ابناء اكبرهم هو ذو السنوات العشر .
مضى شهر على وفاة امه ، وابيهم الرجل الطيب يبذل قصارى جهده لرعايتهم ؛ تشاركه امه السيدة المسنة ، ولكن يظهر دوما التعب والالم على ملامحهما وعبثا يحاول هو ان يخفف عن ابيه وجدته حمولتهما ولكنه لايجد وقتا كافيا للقيام بدور الام فى المنزل لان وقته ينقضي فى تلقى دروسه فى مدرسته لحرصه على تنفيذ وصية امه وهى على فراش الموت بألا يترك التعليم ابدا ويحرص على تعليم اخوته كلهم .
مضت اشهر ذبل فيها ابيه وشحبت ملامحه وتأكد للابن ان الاب بلغ به التعب مبلغه فحينها طلب الابن من ابيه ان يتزوج فقد سمع جدته واعمامه يتحدثون جهرا وهمسا بضرورة زواجه..
وهاأنا ياأبى بوصفى ابنك الكبير فأطلب منك الزواج حتى تجد من يرعاك ويرعى اخوتى ونسأل الله ان تكون بارة بنا ..
يبدو ان ابيه كان منتظرا لهذه الكلمات لينفذ بسرعة الريح مما أكد انه قد بحث وعرف واختار .
وجاءت زوج ابيه الى البيت سيدة ثلاثينية العمر ملامحها تؤكد انها وافقت بالزواج من ابيه انقاذا لما جرى العرف عليه باللحاق بقطار الزواج قبل الوصول الى العنوسة وربما الا تتزوج ابدا وتعيش وتموت على حالها .
كان خائفا جدا لدرجة الرعب من ان تكون هذه السيدة قاسية القلب ؛ خوفه لم يكن على نفسه بل على اخوته الصغار .
انتظر الايام تجيبه على تساؤلاته وتطمئن خوفه او تؤكده ؛ ولم يصارح ابيه بما يجول فى خاطره الحزين .
بمرور الوقت وجد اخوته فى اجمل حال يلبسون ثيابا نظيفة ويلتصقون بها ويسعدون معها .
زال عنه حاجز القلق والخوف عندما وجد اهتمامها يصل اليه وتذاكر معه الدروس وتهتم لامره .
مضى عام والبيت عادت اليه مظاهر الجمال والحب التى ذهبت بوفاة امه .
عاد يوما من مدرسته فوجدها تبكى بحرقة وحزن فجمع شجاعته واقترب منها كما كان يفعل مع امه عندما كانت تبكى فى شجارها مع ابيه وكان يهون عليها حزنها ويقنعها بان ماحدث ليس الا من ضغوط الحياة على ابيه وان اباه يحبها ، اقترب منها ومد يده ومسح دموعها وقال لها : تعبتى من خدمتتا واعياكى كثرة عددنا ومطالبنا .
فبكت اكثر واخذته فى حضنها وقالت وهى تتأوه الما : انتم نعمة ربنا عليا والعوض ، انا بعيط عشان الدكتور بلغنى انى عاقر .
نظر اليها وهو يدارى حزنه عليها وحرمانها من الامومة وقال لها وهو يبكى : تصدقى انى زعلت مرتين مرة على انك مش هتخلفى وده من عند ربنا مابايدنا حيلة والتانية وديه الاهم انك مش معتبرانا ولادك …
مضى عشرون عاما وهى امهم واكثر تزوج كل الابناء ومات ابيهم ولاتزال هى فاتحة بيتها وقلبها لهم ولاولادهم وعندما يقولون عنها مراة ابوهم يردون كلهم بصوت واحد ديه امنا لتسعد هى وتقول اغلى من ولادى اللى مخلفتهمش ..