رتب أوراقه واستعد إلى الذهاب إلى مكتبه وسلم على زوجته وولديه واستقل سيارته مسرعا لأخذ اوراق هامة من مكتبه ليتوجه إلى المحكمة للدفاع عن سيدة كان مكلف بالدفاع عنها صديقه الذى لم يستطع الحضور لمرض ابنه المفاجىء فكلفه بالقيام بهذه المهمة بموجب توكيل بين مكتبه ومكتب هذا الصديق متعاملين به منذ زمن ليس بالقصير .
فور دخوله إلى المكتب ألقى السلام ودخل مسرعا إلى حجرته التى شهدت معه مراحل البدايات والترقى وأثر أن يبقيها كما هى لأنها تمثل مرحلة ذهبية فى حياته ألا وهى مرحلة الشباب والرومانسية والحب الاول وربما الاخير رغم زواجه وانجابه .
اخذ الاوراق والقى نظرة على صورة والدته المحتفظ بها على مكتبه لتكون له حرزا وحفظا من كل شر ودفعا للامام فى كل خطوات حياته فرغم وفاتها منذ عشر سنوات إلا أنه يحدثها في كل وقت ويقص عليها أدق تفاصيل يومه وحياته كلها ودوما يذكرها بفضلها عليه المتراكم ويعتليه ماصنعته معه من حزم وشدة اثناء فشله فى الارتباط بمن أحب ويتذكر أنها اعطته حياة جديدة عندما تعاملت معه بقسوة بداخلها لين وقلب أم ينفطر على ابنها الذى حاول الانتحار ودخل فى موجة اكتئاب واعتزال لم يخرجه منها سوى امه وترهبنها بجواره واستخدامها كل الطرق المتاحة وغير المتاحة لاعادته إلى الحياة وإلى تخطى احزانه وبلع مرارة الامه والعبور من مرحلة الفشل الى النجاح ..
احتوى كل ملامح أمه فى قلبه قبل عينيه وقال لها : ادعيلى ياامى ، وخرج واستكمل طريقه إلى المحكمة ودخل القاعة وهو ممسكا بأوراق دفاعه وجاء القاضي ومن معه من مساعدين واكتظت القاعة بأهل المتهمين وفى قفص الاتهام رآها ولم يصدق عينيه هى حبيبة عمره ، فتاته التي رفضه اهلها وعندما قاومت رفضهم وهمت بالهروب إليه لتتزوجه رغما عنهم اختفت بعدها ولم يعرف عنها شيئا وتناثرت اقاويل أن اهلها قتلوها فى بلدتهم جلاويه في محافظة سوهاج ؛ وقال البعض أنهم زوجوها ابن عمها ..
فشله في معرفة أى معلومة عنه جعله يائسا مرتين مرة لرفضه والاخرى لضياعها منه فأقدم على الانتحار ولكن المولى أعطاه فرصة أخرى للعيش للتكفير عن ذنب قتل نفسه بغير حقه والقنوط من رحمة الله .
وهاهو الان يراها وكأنه تركها بالامس وليس منذ خمس عشرة عاما فهى كما كانت جميلة ، هادئة، رقيقة، تمنى لو يكسر قضبان القفص ويحتضنها طويلا ويطفىء شوق السنين ولكنه أفاق على صوت الحاجب ينادى عليها ليتأكد انها هى مروة محمد احمد السعيد ويتلو القاضي عليها تهمة قتل رئيسها فى العمل ، حينها تقدم هو للدفاع عنها بموجب توكيل من زميله ليسمع آهة محشرجة بالبكاء منها يلتفت إليها الكل ويطلب من القاضي التأجيل وخروج المتهمة بكفالة فيوافق القاضي على الاولى ويرفض الثانية ويأمر باعادتها إلى محبسها لمدة شهر كامل لحين انعقاد الجلسة القادمة ..
فى هذا الشهر لل يمضى يوما الا وهو يراها يسألها عن كل شىء يتعلق بالقضية ولايسألها عن أى شىء اخر ويربط على قلبه مع ملاحظته أن احدا من اهلها لم يحضر فى الجلسة ولا في زيارتها وايضا لاخظ انها لاترتدى دبلة فى يدها مما يؤكد مالديه فى الاوراق من انها انسة …
كان يصل الليل بالنهار ليجمع معلومات وادلة عن القتيل تثبت سوء اخلاقه وخلع زوجته له لهذا السبب وبأنه صائد للنساء أيا كن صغيرات ؛ كبيرات ، فتيات ، متزوجات ؛ مطلقات ، ارامل ، فهو يمارس الرذيله مع أى حواء فيها روح ونفس .
وفى المقابل استجمع وأتفق مع كل من تعاملوا مع المتهمة على الإدلاء بشهادتهم عنها وعن عفتها واخلاقها وترفعها وبأنها كما يقال فى حالها تسكن فى الشقة الكائنة تحت مكتب القتيل فكل حركاتها وخطواتها لاتتعدى هذا المبنى وخارجه لشراء مستلزماتها المعيشية والكل أكد أنها منذ جاءت من اكثر من عشر سنوات وهى رافضة الزواج والحديث عنه أو الدخول فى أى تجربة عاطفية ، ويوم الحادث تهجم عليها فى مسكنها القتيل محاولا اغتصابها وعندما استنحدت بجيرانها كتم انفاسها بيديه .
وفى محاولتها للتخلص منه تلمست اناملها زجاجة زيت زيتون كانت اشترتها للتو وعندما رن جرس الباب تركتها فى الارض لتعرف من يطرق بابها في هذا الوقت وهى على يقين أنه البواب ليسألها عما ستحتاجه غدا أو يخبرها عن أشياء حدثت ويطلب رأيها وهكذا كما اعتادت منه ، إلا أنها فوجئت برئيسها الذى كانت على يقين من أنه معجب بها ويريدها باي طريقة وكم من مرات متعددة ردته وعنفته ولكن لافائدة منه فهو مصر على أن تكون له ولو لمرة واحدة كما تبجح وقال لها ذات مرة ، حاجتها للعمل كانت تجعلها تتحمل على قدر المستطاع ولكنها في هذا اليوم بالذات كانت قد قررت أن تترك العمل وتبحث عن أى وظيفة اخرى أو حتى تقوم بعمل مشروع منزلي يجنبها ماتتعرض له من تتمر وتحرش فى نفس ذات الوقت ولكن القدر لم يعطها ماتمنت وأتى اليها بالمغتصب إلى عقر دارها لتمسك بالزجاجة وتحطمها تحطيما على راسه وعندما يسقط غريقا فى دماءه تصاب بنوبة من الهذيان تجعلها تواصل طعنه ببقايا الزجاجة وهى تردد هذا الجسد اختزنه لمن احببته لأكون له فى الجنة لأنى لم اجتمع به فى الدنيا وتصرخ ويتجمع الناس ويأتى البوليس ويأخذها والقتيل يذهب إلى مثواه الاخير والكل يؤكد أن نهايته بهذه الطريقة وابشع كانت متوقعة.. ي
ستطيع محامي المتهمة وحبيبها الاول أن يحصل لها على براءة للدفاع عن الشرف والنفس يدعمها سمعة القتيل وشهادات الكثيرين عنه بالسوء والضلال والشراهة فى الرغبة والإساءة إلى فتيات كثيرات يرفضن معاشرته ..
عندما خرجت من قفصها وهو ممسكا بيدها كان قراره أن يتزوجها وكان قرارها أن تبتعد عنه والندم على مافعلته بنفسها وعزلتها لأنها علمت انه انتحر وسبقها إلى الدار الابدية وكانت تستعد ليوم لقاءه كما تركها عذراء تكون له زوجا فى الاخرة ولكنها علمت أنه تزوج وأنجب ومارس حياته وتركها ميتة رغم أنفاسها التي تقول أنها على قيد الحياة..