اعوام عديدة وهو يجبر نفسه جبرا الى ان يعيش تائها متنقلا من بلد لاخرى بحجج واهية وهو فقط من يعلم انه يتهرب من حمل ثقيل بين ضلوعه يخفيه عن الكل ولكن نفسه لاتتركه فى حاله ولاتنسى ابدا مافعله مع امه من حب مفرط جعله يتفانى فى التعبد فى محرابها ويختزنها ان صح التعبير له فقط دون عن الدنيا ومن فيها .
منذ صغره وتؤثره امه بحبها وتدلله وتتغنى بجماله وحنيته وتحدث الكل عنه وعن طيبته وجمال روحه لدرجة ان اباه كان يغار منه ويؤنبه ويوبخه دوما ويلقبه بإبن امه وبأنه لن يصبح رجلا ابدا لانه تربية امرأة وان المرأة لاتربى رجالا ويستشهد بمثل من الريف الذى نشأ فيه ويقول (عمرها ماتربى تور ويحرت ).
لم يكن حازم يعنيه الا امه ورضاه عنه وعليه ، دوما يتحمل توبيخ ابيه وغيرة اخوته الكثر ونظرات جيرانه له بأن الدلوعة المايص ، لم يعمل على شىء سوى ارضاءها وكسب ودها اكثر واكثر ….
سنوات تتزايد من عمره وعمر اخوته وامه وابيه وعام بعد اخر يتسرب الاخوة بين مسافر للعمل واخر للدراسة واخريات للزواج ويظل هو فقط معها وكم كانت سعادته عندما اصبح هو وهى فقط فقد كف ابوه عن توبيخه بحكم كبر سنه وهزله وربما لانه شعر بخطأه لان حازم كان نعم الابن له وكان ابنا بارا به رغم مايختزنه بداخله من عبارات تركت فى نفس حازم اثارا لم يستطع ان يمحيها او يبتلعها الا انه كان يتقى الله وينفذ اوامرة بطاعة ابيه وتنفيذ مطالبه حتى ينال عفو الله وجنته .
بينما امه فقد كان يفعل كل ذلك واكثر حبا وعشقا .
كان يذهب الى عمله ويعود متلهفا لرؤية والديه بصفة عامة وامه بصفة خاصة ، يرمى بنفسه تحت قدميها يستمع اليها بشغف لقصص وحكايات سمعها ألف مرة ويظهر لامه انه اول مرة يسمعها ويظهر لها ايضا دهشته بنهايات الحكايات وكأنه صدم بما يحدث مع انه يكاد يحفظ كل كلمة وكل عبارة عن ظهر قلب .
كان كما يقولون يتفانى فى اسعادهما ولايتأخر عن تحقيق مايطلبون وحتى مالا يطلبون ..
رفض فكرة الزواج رغم الحاح ابيه واصرار امه حتى لاينشغل عنهما
وعنها بصفة خاصة . ..
كان يشغله دوما ماذا يفعل لاسعادهما ، مرض ذات يوم مرضا عضالا اقعده فى فراشه لمدة اسبوعين ايقن خلالهما ان هذه السيدة هى اغلى مافى الدنيا فقد لبثت بجواره رغم وهنها وتعبها كلما تقلب فى فراشه سمعها تدعو الله وهى تنتحب ان يشفيه والا يريها فيه سوءا ويجعل يومها قبل يومه، كان يحزنه مايرى عليه ابيه من تراجع بدنيا جعله لايستطيع ان يراه فى سريره وكان يسمعه يقول لامه (خليه يسامحنى انى مش قادر اجيله بس قوليله انى بدعيله يخف ويخليه ربنا لينا )..
ودعاءها صار يظهر بنظرة رضا وحبا بلا كلام ولاصوت ، خاف من نظرات الشفقة فى عيون الزائرين فانتقل بها الى بيت جديد بعيد عن كل الناس حتى لايزوره احد ويراها فى هذه الحالة التى وان كانت مفجعة الا انه كان يطلب من الله استمرارها وبقاءها ويهلع من مجرد تخيل ان تنتهى حياتها وتتركه وتذهب الى ابيه فى مثواه الاخير ، رفض تنفيذ من وصفوا نفسهم بالناصحين من الاهل والاقارب بان يضعها فى دار مسنين او مستشفى او حتى يجلب لها ممرضة مقيمة حتى يتفرغ لعمله وخاصة ان منصبه يطلب منه الوقت والذهن الصافى فكان رده بتقديم اجازة مفتوحة كى يكون متفرغا لها كلية …
ماتت امه وتركته يؤنب نفسه على التقصير فى حقها وبانه كان يجب عليه ان يفعل الكثير ولم يكن يصح ابدا ان ينهرها حتى تاكل وتشرب ولا ان يوجهها الى الصحيح من العمل حتى تشفى وتعود كما كانت ، ماتت ومات معها قلبه وصار كما عليه الان تائها…