جاء إلى مصر كما يسمونها فى بلدته القابعة فى ريف مصر أو وجه بحرى كما يعرفونها ويعرفها كل المصريين ، جاءها حاملا معه شهادة الثانوية العامة بتفوق اهله للالتحاق بكلية الطب .
ودعته امه المريضة بالالتهاب الرئوى والتى من اجلها اختار أن يلتحق بهذه الكلية لكى يعالجها ويشفيها بأمر الله ،أبيه المزارع البسيط المنهك من العمل فىى حقل الغير سلم عليه بحرارة واوصاه بالبعد عن كل مايغضب الله وخاصة بنات مصر اللائى لايخفن الله ويغوين السذج مثله .
بحكم أنه وافدا من الريف ضمن مكانا فى المدينة الجامعية ، رافقه فى غرفته شابا عفيا من الصعيد يدعى حسانين ، تزاملا فى الدراسة والسكن وأجتهد مسعد وكان هذا اسمه واضعا نصب عينيه اسرته التى تقتطع من قوتها لكى توفر له ثمن الدراسة ، كان يجمع الفاكهة والمربى وكل مايتحمل البقاء ناضجا حتى يعود بهم ألى اهله حارما نفسه من هذه الملذات من اجل أبويه وأخوته الاربعة .
تحمل نظرات وعبارات قاسية من زملاءه عندما يجمع اشياءه واذا ترك احدهم شىء يسارع فى اخذه ليعود فى اجازته الاسبوعية لاسرته بحقيبة محملة بما لذ وطاب وتبلغ سعادته عنان السماء وهو يراهم يتلذذون بطعم هذه الاشياء التى لم يتذوقوها ابدا وكل علاقتهم بها إما من خلال المحلات المرصوصة فيها أو من شاشات التلفزيون التى يسترقون النظر اليها من دوار العمدة وبعض من جيرانهم الاثرياء .
مضت سنوات الدراسة بمسعد بنجاح وتفوق دفع استاذه إلى أن يعرض عليه العمل فى عيادته كسكرتيرا له يقوم بادخال المرضى مقابل عائد مادى سعد به مسعد وشكر ربه لأنه سيستطيع أن يرحم أبيه من ارسال المصاريف بل وسيستطيع ان يرسل لاسرته اموالا وإن كانت قليلة إلا أنها ذات منفعة ، خلال عمله عند هذا الاستاذ الجامعى كان يلاحظ اشياء غريبة ، اشخاص كثيرون يدخلون ويمكثوا كثيرا فى غير اوقات العيادة ويخرجون وهم منهكون وكأنهم قد اجريت لهم عمليات ويتبعهم اشخاص اخرون يدخلون وبيدهم مايشبه الثلاجة او مايسمى بالايس تانك ويخرجون بسرعة غريبة . ومما زاد ارتباك مسعد أن استاذه يخصص عيادته فى ساعات الليل الطويلة لهذا الاجراء الغريب ، سأله مرة وغلف سؤاله بخوفه على صحته وساعات العمل الطويلة وتعبه المتواصل فى الجامعة والعيادة والمستشفى ، فنظر اليه استاذه وقال له بلهجة لم يعرف لها تحديدا : انا عندى التزامات وبيت وبريستيج لازم اجيب فلوس عشان كل ده . لم يقتنع مسعد بهذه الاجابة وكان على يقين ان ثمة شىء مخيف يجرى وراء هذا الباب الذى يغلق بالساعات بدعوى نقاشات علمية واستشارات طبية .
تخرج مسعد بتقدير امتياز ولكن طبيعة التعيين الجامعى التى تجعل من ابن الاستاذ معيدا حالت دون التحاق مسعد بالسلك التدريسى وحينما حاول أن يتقدم بشكوى إلى رئاسة الجامعة جاءت النصائح كلها بأن حاميها حراميها وأنك ستجعل من نفسك عدوا من السهل عليهم تنغيص حياتك كلها وغلق كل الابواب امامه ، ارتضى بالصمت وواصل حياته وقضى سنة التكليف لأنه كبير ابيه الذى تخطى الستين من عمره فى واحدة من المستشفيات الحكومية ، وبعدها قرر أن يفتح عيادة فى بيتهم القديم لكى يعالج اهل قريته الفقراء بأزهد الاثمان .
فى الصباح يعمل فى عيادته المتواضعة وفى المساء يأتى إلى مصر ويواصل عمله مع استاذه ، وفى يوم قال له استاذه يامسعد إنت خلصت خلاص ومينفعش تشتغل شغلانتك ايام ماكنت طالب ، انت من بكره هتشتغل معايا فى العيادة وهخلى العمال يحطوا اسمك على اليافطة اللى على باب العمارة جنب اسمى ، لم يستطع مسعد تحمل هذه المفاجأة وجلس على اقرب كرسى متمتما بعبارات شكر لله وتقدير لاستاذه وعندما أفاق من هول المفاجأة جرى مسرعا مقبلا يد اساتذه شاكرا له صنيعه .
استطاع فى اشهر قليلة أن يثبت كفاءته وأن يأتى له بالإسم مرضى كثيرين ، وكان سعيدا بهذه النقلة التى كانت عوائدها المادية عالية جدا انعكست عليه وعلى اسرته التى اشترى من اجلهم اجمل الملابس وغير اثاث البيت واشترى أرضا لأبيه كى تكون ملكه وألا يعمل عند أحد .
بعد عام أو أكثر طلب منه استاذه أن ينهى أعماله فى الريف ويغلق العيادة المتواضعة لأنها تأخذ من وقته ومجهوده الكثير مقابل لاشىء ، حاول أن يشرح له أنه يرد لاهله واهل بلدته الجميل إلا أن أستاذه اقنعه بأنهم يحتاجون المال وأنت تستطيع أن تعطيهم مايريدون بطريقة أفضل وأيسر ، وعندما سأله عن الطريقة أجابه بأن الايام ستقول لك عنها الكثير ، رغم معارضة أبيه وحزن أمه ووجوم اخوته واستياء اهل قريته إلا أنه نفذ مطالب استاذه وأغلق العيادة وتفرغ كلية للعمل مع استاذه الذى اشترى له شقة جديدة
ولم تمض أشهر إلا وعرض عليه استاذه الزواج من ابنته لأنه راى فيه زوجا أمينا على وحيدته وبالفعل طار مسعد من الفرحة ووافق على الفور ، وفى ليلة من ليالى الف ليلة وليلة تمت الزيجة بغياب اهله كلهم لأن استاذه اقنعه أن حضورهم سيرهقهم وأنه من الايسر لهم أن يزورهم بصحبة زوجته فى المستقبل .
عام من الزواج مضى انجبت خلاله زوجته توأم ولدان اتخذتهما وسيلة اقوى لاستنفاذ ماتبقى عند مسعد من رجولة الموقف والحياة ، صار كما تريد هى وأبيها ، كان أبيها كلما أحضر له شىء كالسيارة واثاث لبيت الزوجية وحتى مصاريف ابنته فى الولادة والمشتروات يكتب عليه شيكا ويوقع عليه مسعد من قبيل اظهار الولاء ومن يقينه بأنهم اهله ولن يضروه ابدا ، لم يعد يزور اهله ولايرد على مكالماتهم ويتهرب منهم إذا جاءوا ليسلموا عليه ، حتى أن العامل فى العيادة بكى ذات مرة وهو يقص عليه أن أمه جاءت وانتظرته بالساعات لتبلغه أن أبيه فى المستشفى ويريد أن يراه قبل أن يموت ، ولم يتأثر مسعد بهذه الحكاية وحتى عندما علم بوفاة أبيه أرسل العامل بمبلغ كبير إلى أمه وإخوته وردته امه ورفضته واخبرته على لسان العامل بأنها لاتريد منه أموال وأن ابنها رشاد يعمل ويوفر لهم كل مايحتاجونه ، لم يقم له ناشط من هذه الرسالة وأخذ الفلوس من العامل وزاد بها رصيده البنكى .
فى يوم انفرد به أبو زوجته واستاذه ليطلعه على السر الذى كان من اجله يختلى بأشخاص لساعات وقال له بكل صراحة انا كبرت ومش قادر
إمسك المشرط فأنت لازم تكمل دورى وتعمل اللى بعمله ، واستكمل قائلا أنا بييجى ليا ناس بيبيعوا اعضاءهم باخدوها منهم بمبالغ أقل بكتير من اللى ببيع بيها ، ثار مسعد وتوعد وهدد وبهدوء غريب هدده استاذه بتقديم الشيكات إلى البوليس وبطرده من البيت وحرمانه من اولاده وزوجته وايضا بالابلاغ عنه بأنه يتاجر فى الاعضاء البشرية مؤكدا أن الدنيا كلها ستصدقه هو لأنه الطبيب المشهور صاحب الاصل الطبى العريض ، وافق مسعد وانخرط فى هذا العمل بل وزاد من عملائه باستجلاب أهل قريته الفقراء واغراءهم بالاموال وبعضهم بالوظيفة وغيرها من متطلبات الحياة .
فى يوم دخلت عيادته امه وعندما رآها دمعت عيناه وجرى اليها مسرعا محاولا تقبيلها والركوع على قدميها طالبا السماح ولكنها ازاحته وقالت له اخاك جاءك من اسبوع وباع كليته كى يجهز بثمنها اختك وانت من غشاوة بصيرتك لم تعرفه ، وهو الأن فى مكان افضل وأنا جئتك لكى ابيعك أى جزء كى اشترى مقبرة ادفنه فيها …
إنهاء الدردشة
اكتب رسالة…