استيقظت قبل موعد السحور بساعتين كعادتها منذ ان اصبحت وحيدة وتفرق الكل من حولها . فبعد ان كان البيت عامرا بالابوين والاخوة الستة اصبحت فيه بمفردها الابوين توفيا الاخوة منهم من تزوج ومنهم من هاجر ومنهم من توفاه الله واصبحت هى وحدها فى البيت الكبير؛ تعيش على الذكريات وخاصة ذكريات هذا البيت العتيق وشهر رمضان الفضيل بصفة خاصة .
فقد كان رمضان ليس مجرد شهر ولكن كان طقوس حياة جميلة يتكرر فيها يوميا مشهد الاب وهو يعد العرقسوس بنفسه وبطريقته الجميلة وابتسامته الطيبة؛ وعندما يؤذن للافطار تتهلل اساريره وهو يصب ماصنعه لافراد اسرته الكبيرة؛ الا انا لم اكن احب العرقسوس وعبثا حاول ان يجعلنى اتذوقه ويسرد لى محاسنه وفوائده ؛ وبأنه محلى ربانى ؛ ولكنى لم استطع ان اتقبل رائحته ولا طعمه ؛ ولذا فقد كان يصنع لى التمر هندى الذى كنت احبه واهواه .
مناسك ابى ظلت ثابتة متبوعة بمطالبته لنا بالاستغفار ونحن مجموعين على مائدة الافطار قبل ان يضرب المدفع .
ظل ابى على عهده معنا حتى سنوات قليلة قبل وفاته التى اخذت من سعادتنا وسعادتى بصفة خاصة الكثير ، فى رمضان تحدث عن امى وبلا حرج فقد كانت سيدة مميزة فى كل شىء كرمها ، سخاءها المبالغ فيه ، كل شىء فيها كان يإسرنى ويجعلنى اتمنى ان اكون مثلها او حتى اشبهها فى هذا العطاء الذى لاينفذ .
اخوتى كانوا نماذج متناقضة منهم من يحب رمضان ومنهم من لايحبه ويتعذب فى صيامه ولكننا كنا نجتمع كلنا فى طقوس مابعد الافطار والنزول الى الشارع واللعب بالفوانيس حتى موعد السحور .
مضى رمضان وجاء بعده الف اخرين واصبح لكل منا حياة واصبحت حياتى انا تحتفظ بذكريات واهات وابتسامات واشياء اخرى يتعمد القلب والعقل على تركها فى مكان خفى من النفس حتى لاتخرج فتقلب موازين العمر الذى اصبح حزينا وحيدا منتظرا صفرة الحكم الالهى لاخراجى من الدنيا وعودتى الى اللانهائية .