كلما ذكر اسمه رمضان جاء وراءه ذكريات ويؤكدون بالقول تقصد رمضان ذكريات …..
ذلك هو بطل قصتنا رمضان الذى عرف من صغره بأن ذاكرته فولاذية وأنه لاينسى اى شىء لدرجة أنه يقص ماحدث بكافة تفاصيله وحتى الذى كان يرتديه أصحاب الذكريات وألوانها وأدق الأشياء….
كبر رمضان ذلك الطفل المنتمي لأسرة كادحة كثيرة العدد قليلة المورد إلا أنها حظيت بمحبة الناس وتقديرهم لما تمتاز به أسرة رمضان من تعفف رغم فقرهم المدقع…..
اعوام تمضى وأخرى تجيء وتتسرب أسرة رمضان كتسرب المياه من بين أصابع اليد الواحدة. ..
منهم من تزوج ومنهم من سافر ومنهم من اختفى فى ظروف غامضة وكان منهم رمضان الذى استيقظت منطقة البراجيل كلها على صراخ أمه وحزن أبيه وماتبقى من إخوته على هروب أو سفر أو انتقال رمضان من هذا البيت إلى مكان آخر لايعلم مقصده أحدا….
بكت الأم وتوجهت إلى رب السماء بأن يعيد اليها رمضانها. ..
ولم يعرف أحد من أهل المنطقة سبب اختفاء رمضان ذو الأعوام الستة عشر إلا أن الكل حزن على غيابه وغياب ذاكرة المنطقة معه
وكعادة الدنيا لاتتوقف لأحد ولا على أحد فقد نسى أهل المنطقة رمضان واذا ذكر اسمه قيل بعده تقصد رمضان ذكريات ربنا يكرمه ويرجعه لأمه وأبيه……
ولم تستجب دعوات أهل المنطقة ولا أبو رمضان ولا أمه فقد ماتا الأبوين واحد تلو الآخر فى مدة قصيرة ولم يتبق فى المنزل سوى اخت لرمضان وأخ وجدة لهما …
كانت على يقين بعودة رمضان الحتمية….
عشر سنوات مضت ولم يعد رمضان وماتت جدته وتزوجت أخته من خليجى وانتقلت معه إلى بلاده والأخ المتبقى طحنته الحياة طحنا بحثا عن لقمة عيش تمكنه من مواصلة الحياة والاستقرار العائلى الذى عز عليه لفقره وعدم قدرته على فتح بيت ورعاية أسرة …..
فى يوم من أيام رمضان المباركة استيقظت المنطقة على أصوات تعلن فى العربات المتنقلة هناك بأنه سيقام موائد رحمن تغطى كل من فى المنطقة وبأنه ستطرق أبواب المنطقة جهات معنية بتلبية مطالب أهل المنطقة وبصفة خاصة فقراء المنطقة….
وعندما سئل عمن يتكفل بذلك كانت الإجابة رجل أعمال كبير رافض ذكر اسمه.
فرح أهل المنطقة بهذا الخير القادم إليهم ومع فرحتهم تحدثوا عمن وراء هذا فمنهم من قال إنه فلان الذى انتخبوه فى البرلمان ومنهم من نفى وقال لا إنما هو أحمد بيه اللى ربنا مديه من وسع واكيد بيعمل كده عشان ربنا نجا ابنه من موت محقق خلال عودته من الساحل وانقلاب سيارته وبقاءه فى المستشفى عدة أشهر لايعرف مصيره هل سينجو أم سينتقل إلى الرفيق الأعلى ؛ وعندما جاء أبيه إلينا لأنه من أهل المنطقة قديما قبل ثراءه وانتقاله إلى عالم الأغنياء جاء إلينا طالبا أن ندعو لابنه وهاهو ربنا استجاب لدعاءنا وشفى ابنه والآن يتقدم لنا الأب بخير نجاة ابنه؛ وقاطعه آخرين وأكدوا أن من فعل ذلك الست محاسن اللى كانت عايشه معانا ومشيت وبقت فنانة كبيرة ومعاها فلوس من غير عدد فاكيد هى بتبر أهل منطقتها.
أحاديث أهل المنطقة لم تتوقف إلا بظهور رجل يقترب من العقد الثالث من عمره وسيم ذو طلة بهيجة دائم التبسم ملامحه ليست بغريبة على أهل المنطقة ولكنها مختلفة كثيرا عما يدور فى ذهنهم
سلم الغريب على كل من التقاه فى طريقه باحثا عن منزل رمضان فقد تغيرت معالم المنطقة ولم يعرف مكان بيت أهل رمضان . ..
سأله الناس عن السبب وهل هناك أية مشاكل تسبب فيها أصحاب هذا البيت فلم يجبهم ومضى معهم إلى حيث البيت القديم والذكريات العالقة فى كل بقعة وركن من هذا البيت….
طرق الباب مصحوبا بنداء من معه بأن افتح يااحمد غريب عاوزك وفتح أحمد وعرف الطارق فقد كان أخوه رمضان فاحتضنه بقوة وبكا الاثنان وقال أحمد والله كنت عارف وحاسس أن الموائد المقامة والخير الموزع فى كل بيت انت اللى عمله….
سكت رمضان وسأل عن أمه وأبيه وجدته وأخوته وجاءت الإجابة بدموع تنزل بغزارة من عين أحمد تقول لرمضان أن أبويه وجدته ماتوا وأخوته فرقتهم الدنيا التى طحن رمضان فيها نفسه كى يعود إليهم ويذيقهم طعم الغنى والثروة….
صرخ رمضان رافضا غياب أبويه وجدته عن عالمه الذى كانوا فيه شغله الشاغل .
نظر إلى أركان البيت الفقير مكانا والغنى ذكرياتا فعلى هذه الاريكة المتواضعة
كان يجلس أبيه وبجواره ماتسمى مشنة العيش وطبق الجبنة الفلاحى المقدس عند والده؛وفى المقابل تجلس جدته تحكى لهم حكايات من تاريخها الجميل؛ وهنا تجلس أمه عند انتهاءها من الطهى والغسيل والنشر ومن كل مهامها المنزلية هنا تجلس تقرأ فى المصحف الشريف ، وهنا أيضا كان يجلس رمضان بجوارها يستمع اليها وعندما تنتهى يرتمى بين احضانها ويقبل يديها ويقص عليها كل ماعاشه فى يومه ؛ كل الامه كانت تزول بمجرد أن تحتضنه وتطمأنه بأن الله سيعطيه الكثير لأنك طيب وحنين وبتخاف ربنا وبتتقيه وانت لسه ياعيني صغير فمابالك لما تكبر ؛ وتحتضنه وتقول له عارف ياحبيب أمك انت اللى إتقال عليك مثل مالك متربى قال من عند ربى….
نظرات رمضان تجولت فى كل مكان من بيتهم العتيق الذى كان يعج بضحك إخوته وصراخهم والآن أصبح بيت الذكريات وأصبح اسمه على مسمى رمضان ذكريات…