فى ايامها الاولى كانت تستغرب من قيام امها دوما برش الملح فى جميع انحاء المنزل مصحوبة بتمتمة لم تعرف فحواها ، وعندما كبرت سألت امها فردت عشان الحسد يابنتى ، العين فلقت الحجر ..!!!
واستفسرت منها لماذا الملح قالت لها امى وهى تضحك والله يابنتى مااعرف انا طلعت لقيت امى بتعمل كده وامها كانت بتعمل كده برده .. كبرت هى الان ولكنها لم تكن مقتنعة بما تربت عليه فى بيت
والدها الذى كان ملىء بالاخوة والاخوات فقد كانت امها ولود انجبت اربعة عشر ولدا وبنت لم يبقى منهم سواها واخيها فكلهم كانوا يمرضون لايام قليلة ثم يتوفاهم الله ولم تنفع رشات الملح فى حجب الحسد عنهم ، ومات ابوها حزنا على ابناءه الذين فارقوا الحياة فى مراحل الصبا ، وتقوقعت امها وذبلت واصبحت بلا حول ولاقوة من الالم وربما من تعب الانجاب المتكرر والرعاية المنزلية التى لم تكن تتركها تجلس لسويعات قليلة فى اليوم ، فقد كانت تستيقظ مبكرا لتحضر الفطور لهذا الجيش الذى يسبقه بالطبع فطور رب المنزل عم رياض فنى الصيانة فى واحدة من شركات النسيج ، مع وفاة اخوتها وبقاءها هى واخوها تحولت الام الى كائن دائم الخوف عليهما والقلق اصبح سماها المميزة فهى تقلق اذا لم يستيقظا من نومهما وتقلق اذا تاخرا ساعة عن موعد عودتهما من مدارسهما ومن الجامعة ….
قلق يصحبه قلق وخوف استنزفا هذه الام وشل حركتها وحولها لقعيدة الفراش لتتراكم عليها المتاعب ويسيطر اليها المرض لتموت وتترك ابنتها وابنها بمفردهما فى هذه الحياة المرهقة المصحوبة بميراث ذكريات زاخر باسرة كبيرة انفضت ولم يعد سوى الابن الذى التحق بكلية الطب والابنة توأمه فى كلية الهندسة ، مضت السنين وتخرج كلاهما واستعطف الاخ اخته ان تسامحه وتسمح له بالسفر الى الخارج لاستكمال دراسته فى احدى بلاد العم سام التى رحبت به وقدمت له تسهيلات جمة لاستكمال طريق العلم والترقى البحثى ، لم ترفض لانها تعلم تمام العلم انه سيسافر سواء وافقت ام رفضت وانه يفعل ذلك من قبيل ذر الرماد فى العيون كما انها تعلم ان اخاها لايريد ان يواصل حياته فى هذا المناخ المعبأ بالذكريات الاسرية المجموع فيها الحزن اكبر بكثير من الفرح فمنذ ان وعى الدنيا ويفقد اخا تلو الاخر حتى انه صار خائفا من فقد اخر حبة فى عنقود اسرته الا وهى اخته وتوامه وربما كان ذلك هو السبب الخفى لاصراره على السفر فهو لم يعد يتحمل مزيد من الفقد ….
فى يوم سفره وعند باب المطار اكد لها انه سيرسل اليها يستقدمها حينما تستقر اوضاعه ، ومضى عام تلاه اخر ولم يرسل اليها فقط يكتب لها ويتحدث معها تليفونيا عن تفوقه واشادة الكل به وبعد ذلك باعوام اخرى اخبرها انه تزوج من زميلة له فى العمل ذات اصول شامية وارسل لها الصور ثم بعد ذلك صور ابناءه والغريب انه لم يسالها ابدا عن حالها وكيف اصبحت وصارت وهاهى تحصد ثمار عملها فى واحدة من اكبر الشركات الهندسية متزوجة عرفيا من صاحب الشركة الذى اشترط عليها السرية التامة وعدم الانجاب وكلما تذكرت اصراره على عدم الانجاب تضحك بخوف وتقول بينها وبين تفسها ( وفر عليا رشة الملح )…