أعد حقيبته بسرعة وودع والديه وأخته الوحيدة وقبل زوجته وإبنيه ؛ وجرى مسرعا الى القطار حيث مكان عمله فى محافظة أخرى بعيدة عن مكان نشأته بألاف الكيلو مترات . تخرج حسام منذ مايقرب من عقدين من كلية الهندسة كما أراد ابوه له ، فقد كان أمل ابيه الذى يعمل عاملا بناء أن يكون إبنه مهندسا ويتفاخر به أمام العمال والدنيا كلها …..
وعندما قال له حسام أنه يريد أن يصبح طيارا يجوب العالم كله ويعيش حرا متنقلا من بلد لأخرى ، قال له أبوه وهو يكتم دموعه ، لابد ان تصبح مهندسا ، وحكى له واقعة حزينة ذكرها وهو يبكى ويضع يده على وجهه وتحديدا على مكان قلم صفعه اياه المهندس الذى كان يشرف على عمل ابيه ، والعمال معه، عندما حاول ابوه ان يشرح للمهندس شيئا صحيحا من خلال خبرته كان رد المهندس بصفعه وبالقول له : انت عامل يعنى جاهل انما انا مهندس متعلم ودارس مش بصمجى …
بعد ماقاله ابوه له أخد على نفسه عهدا بأن يصبح مهندسا لاسعاد ابيه وتعويضه عن الاهانة التى علقت فى ذاكرته ولن تنسى ابدا .
تخرج من الجامعة بتقدير امتياز وعمل معيدا فى كليته ، وزوجه ابوه من ابنة عمه وانجب منها ولدين ، ومضت به الدنيا ، وترك الجامعة والتحق بشركة استثمارية تعطيه أجرا بالدولار وتوفر له مكان أقامته وتمنحه إجازة اسبوع كامل كل شهر يعود فيه لاهله ويملأ قلبه بمعاني الاسرة من المحبة والحياة البسيطة .
رفضت زوجته ان تنتقل معه الى مكان اقامته العملية وسعد برفضها لانه كان غارقا فى حب أخرى ؛ فتاته التى احبها وهو طالبا ورفض ابو ان يزوجها له لان ابنة عمه أولى به ، وهى من دمنا ولحمنا ، ولو متجوزهاش محدش هيرضى يتجوزها . ارتضى لاوامر ابيه حبا فيه وايضا تخوفا من زعله وغضبه . حبيبته لم تستطع ان تقف امام اهلها وترفض مرارا الخطاب القادمين اليها وخاصة انها علمت ان حبيبها تزوج واعترف لها بأن اباه رافض لزواجه منها لاسباب عائلية …
بعد سنوات ليست بالكثيرة التقى بها فى مكان عمله ، زوجة لمديره فى العمل وصديقه الوفى .
كم قاوم طيف الذكريات والحنين ولكنه اوشك على الوقوع فى الزلل واليوم حزم امتعته واتخذ قراره بأن يطلب نقله الى بلدته وبلد اهله زوجه ويغلق قلبه الى الابد ، وعند دخوله الشركة يجد حالة من الحزن تسيطر على من فيها ويجد ورقة معلقة على الباب تقول : انتقل الى رحمة الله المهندس احمد عبد العظيم هو وزوجته ووحيدهما اليوم فى حادث أليم …