كان عمره خمس سنوات عندما رأى اباه يبكى بعدما تجمع اخوته وسلبوا منه حقه فى الميراث عنوة ، ولم يصدق ردة فعل ابيه عندما ابتسم فى وجههم قائلا : الأهم من كل ده أنكم تكونوا شبعتوا وقلبكم حلو من ناحيتى ومتقطعوش الود …..
وبعدما انصرف أعمامه الستة ؛ انزوى ابوه فى ركن من اركان البيت البسيط وبكى بصوت عالى ساعده على ان يخرج مابداخله ظنه ان البيت خال وان ابناؤه وزوجته ليسوا بالمنزل ؛ ولم يدرك ان اصغر ابناءه شاهد وسمع وحفر فى ذهنه هذه المأساة التى تركزت فى مخيلته بدموع ابيه وكيف لهذا الرجل الثابت الصامد ان يبكى !!
بعد اكثر من عشر سنوات وعندما كبر الابن وأصبح شابا وفى المقابل اصبح الأب كهلا ؛ سأله الابن عن سر صمته الطويل امام أعمامه عندما اخذوا حقه وأجبروه على التنازل عن كل ميراثه ؟
فى اول الأمر انكر الأب ذلك وقال انا بعت حقى ليهم مخدوهوش منى ؛ فذكره الابن بما رأى وسمعه منذ اكثر من عقد من الزمن ؛ واندهش الأب وسأله عمن اخبره بذلك وكيف لطفل ان تتسع ذاكرته ولاننسى هذه الواقعة ؟
بعدما شاهد الحزن فى عين ابنه احتضنه وأجلسه أمامه وقال له : بنى انهم اخوتى هم جزء منى ومن بنيانى ومافعلوه معى تعاملت معه على كونه جلد ميت كذلك الذى يتغير فى المواسم والفصول وفى المصايف ؛ هذا الجلد تنزعه ولكن لانتزع الجزء الذى اعتراه هذا الجلد الميت …..
لابد ان تعلم جيدا ان أزمات الاهل ليست سوى جلد ميت تحته العصب والجسد الذى تعيش به وله ….
لم يقتنع كلية بكلام ابيه بل فسره على انه ضعف واستسلام بل انه فى بعض الأحيان كره تعامل ابيه معهم وأنه ظل على اتصال بهم فى كل ظروفهم رغم انتزاعهم حقه الألهى ، وأحزنه اكثر
كل أعمامه ازدادوا ثراء ولم يحاولوا ولو لحظة ان يصححوا خطأهم ويعيدوا لأبيه حقه …. مضت به الدنيا وتركه ابيه ورحل عن الدنيا راضيا مرضيا .
وفى سنوات قليلة وجد ماقاله له ابوه واقعا بان الديان موجود وان ما أخذ بالقوة سيأخذ بالغصب بصورة او بأخرى ؛ فهاهم ابناء عمومته يذيقون اهلهم المر وينهبون الثروة وتضيع هباء …
والآن يعيش سعيدا مع اخوته وأمه وكلما حدث خلاف بينه وبين اخوته ينزع الجلد الميت ويعيد الى بنيان المحبة الذى رسخه اوه رونقه وبهاءه …