قص عليها معاناته منذ أن تركها واختار الابتعاد ، وحكى لها كثيرا عن تمزقه بين الاختيار بالبعد والرغبة فى الاستمرار فى عالم جديد . تحدث إليها عن سنين عمره التى قضاها معها وتمرده عليها واذلالها بكل الطرق وإمعانه فى تركيعها لأنه على يقين بقدرتها على تحمله وابتلاع كل معاصيه لأنها تحبه .
اقترب اكثر وهمس فى اذن حبها وقال لها أنه كان يسابق الزمن فى اقتناص كل المتع وأخذ كل معانى السعادة اخذا ، كان كالفراش الطائر لايهمه أين يحط مادام المكان ملىء بالزهر والياسمين ، حدثها عن كثيرات من كل صنف ولون وحجم ارتشف من رحيقهن ماقدر له ، وكلمها عن احساسه بالخواء رغم كل هذه المتع ، قال لها كثيرا عن عنده وغروره وتأكده من أن حياتها بدونه مجرد أطلال وبأنه على يقين بأنها لن تختار غيره ، وتوقف قليلا وقال لها ولكنك خذلتينى ولم تجعلى يقينى واقعا وتزوجتى غيرى ..
هل تعلمى أننى حينما اخبرت بهذا القرار كدت أجن ، ولم أصدق إلا عندما اخبرتنى ابنتنا بذلك وطلبت منها أن تأتى لتعيش معي ولكنها رفضت وقالت هى بحاجة لي اكثر من حاجتك أنت إلى وجودى معك ، ولما سألتها عن معنى جملتها قالت وجودى فى حياتك سيحد من تحركاتك بينما وجودى معها سيكفل لها حرية الحركة وربما السعادة فى الحياة بعد معاناتها من تجربتها معك وماتركته في نفسها من أثار سلبية كانت كفيلة بأن تدفعها دفعا للانتحار لولا أن ارسل لها الله هذا الانسان لينتشلها مما كانت عليه ويعطيها أملا جديدا فى الحياة .
أذكر حينها أننى كرهت إبنتى وكرهتك وكرهت الدنيا كلها وطلبت من الله أن يشتت شملك ويفشل حياتك ويكون هذا الزوج ألما فى حياتك وأن يجعلك حزينة إلى أخر عمرك ، بعد قرار زواجك كان يقتلنى احساسى بأن هناك أخر معكِ وبأن كل ماكان لي لوحدي أنا فقط أصبح لغيرى وبأن مااخفيتيه عن الدنيا كلها ولم يعلمه ويراه إلا أنا أصبح محرما عليا محللا لهذا الرجل . هل تعلمي أننى تآمرت عليه لأجعله خاسرا فى عمله حتى يتركك وتذوقى طعم الفشل للمرة الثانية !!
سأقول لكي سرا لايعلمه إلا الله ، هل تذكرين حادثة زوجك وهو عائد من رحلة عمل وانقلاب سيارته ومكوثه فى المستشفى اشهر بين الحياة والموت ، هذه الحادثة أنا من خططت لها ودفعت لمن ينفذها ولكن للأسف لم تكتمل خطتي فقد كتبت له النجاة وعاش وكنت أحزن عندما أعلم انكِ لم تفارقيه لحظة ، كنت استشيط غضبا عندما اتحدث إلى ابنتى واستدرجها فى الحوار وتخبرنى بأنك معه وبانك حزينة عليه والاكثر من ذلك أنك تبرعتي له أكثر من مرة بدمك ، هذا الدم الذى يجرى فيه حبي وتتواصل من خلاله نبضات قلبي ، كيف فعلتى ذلك ؟
وكيف استطعتى أن تعطي احدا شىء لاتملكيه ؟
كم كرهتك عندما علمت بذلك !!
هل تعلمين اننى عندما علمت بمرضك منذ ثلاث سنوات كدت أن أموت قلقا وخوفا عليكى ، حاولت كثيرا أن ازورك أو احدثك ولو من خلال الهاتف ولكنك غيرتي كل ارقامك ولم استطع أن أطلب من ابنتنا أن تمنحني هذه الفرصة . هل تعلمي أن جلسات الكيماوي التى كنتِ تأخذينها كانت تحرق كل قطعة فى ، هل تعلمى أننى ذهبت إلى زوجك وعرضت عليه أن اتحمل نفقات سفرك إلى الخارج ولكنه شكرني وقال أنه لم يقصر في علاجك وبأن الأطباء أكدوا له أن العلاج هنا كما هو فى الخارج ، وأكد لي وهو متقزز من وجودي في شركته إن لم يكن فى حياته بأن كل مايملكه تحت قدميكى وبأنه لايطلب من الدنيا كلها الا انتِ.
ساعتها هممت بأن أفتك به وأقول له كيف تقول ذلك الهراء على عمري وحياتي فأنا من يجب أن يقول ويفعل ذلك ..
اه لو علمتى كيف اصبحت منذ أن أدركت أن مرضك لاشفاء منه وبأن حياتك مقدر لها مدى زمني قدروه الأطباء بالأشهر ، عشت عمري منذ أن سمعت ذلك الخبر وانا حزين ولاادرى ماذا افعل ، كل محاولاتي لرؤيتك فشلت بنجاح .
ولم تنجح سوى محاولة إقناع ابنتى بتصويرك واهما اياها بأننى سأرسل وضعيتكى الحالية إلى طبيب فى الخارج يعالج حالتك بالاوزون وأن حالات كثيرة مثلك كتب لها الشفاء على يديه ، ولم تكن تعلم ابنتنا أننى أريد أن أرى ملامحك ….
أريد أن اراك حتى وانتِ فى اسوأ أوضاعك الصحية .
اذكر عندما ارسلت لي صورتك بكيت كثيرا واحتضتك وقبلتك وطبعت هذه الصورة ووضعتها فى قلب قلبى .
اقترب منها أكثر وارتطم بجدار القبر الذى يضمها وصرخ بأعلى صوته طالبا منها أن تخرج وتعود اليه وهو سيقدم لها كل معاني الاعتذار ، وسيعوضها عن كل شىء..
وحينما لم يجد ردا توجه ألى السماء وطلب من الله أن يرحمه من الحياة ويستجب لدعوته بالاكتفاءمن هذه الدنيا واخذه عنده معها تلك التي استطاعت أن تذهب قبله إلى الأخرة ولا تأخذه معها كما اعتاد أن يكون