منذ أن أشرقت شمس عيونها وعمرها وهى تسمع حكايات أبيها الذى يجمعهم فى كل ليلة هى واخوتها الخمسة ، ويبدأ حكايته بالصلاة والسلام على سيد الخلق والأنام ، ويمضى فى سرد حكاية قد يكونوا سمعوها كثيرا ، ومنهم من يعترض عن مواصلة الاستماع لحكاية حفظها ، ومنهم من يفضل الانصراف ، الا هى كانت تظل حتى ينتهى ابوها من حكاياته الجميلة …
وكانت فى كل مرة تسمع منه قصة سمعتها من قبل تخفى ذلك ؛ بل وتتظاهر بالانبهار والتشوق لمعرفة نهايتها.
مضت سنوات وتفرق الاخوة بين مسافر للعمل ، واخرون للزواج ، وظلت هى معه تجمع بين حياتها الخاصة والعملية ورعايتها لابيها وحبها الجارف له ، كبر الاب وازدادت هى تعلقا به ، بل انها تكاد تكون التصقت به ، ترافقه فى كل مكان وزمان ، تخاف ان تتركه فيتركها هو للابد .
فقد كانت فكرة الفراق تقتلها ، وخاصة بعد وفاة امها وهى بجوارها وبدون اى مقدمات ،فقد كانت واقفة بجوارها تحكى لها عن يومها الطويل ، وتعبها فى اعداد الطعام ، وتشكو لها من حال الدنيا وماطرأ على الناس من تغيير فج فى الاخلاق والتعامل ، وفجأة سمعت صوت حشرجة فتوقعت ان تكون أمها اصيبت بشرقة ؛ فجرت اليها بكوب من الماء ، ولكن امها لم تشرب الماء بل سقطت على الارض وهى توصيها على ابيها.
وماتت امها وماتت معها معانى كثيرة اهمها ؛ انها شعرت بعدها بالوحدة وبانها لاتجد من يساندها ويدعمها ، ويخفف عنها متاعبها .
فقد كانت امها تلك المكانة والمكان الذى تخرج فيه كل مابداخلها ، ولاتنتظر سوى نظرة الحب فى عين امها ،وطبطبة اليد ، والدعوة براحة البال ، ماتت امها وهى توصيها على ابيها وكأنها كانت تطلع الغيب وتعلم ان الحياة ستأخذ اخوتها اخذا ويتركون اباهم فى بيت طويل عريض بلا مؤنس ولا ونس .
سنوات مضت وهى فى حضن ابيها وفى يوم سألها ابوها : انتى عاوزه ايه من الدنيا ؟
ردت بلهفة : افضل معاك واموت قبلك ، قبل ان تكمل وضع يده على فمها وبكى وقال لها : ماتقولينه دعوة عليا وليس حبا لى ، اصعب شىء فى الدنيا كلها هو موت الابن قبل ابويه ، كل الجروح تلتئم الا ان يفقد الابوان ابنهما .
واستكمل حواره وقال لها : صارحيني بماذا تحلمين وتتمنين ؟
قالت له عاوزه اعيش سعيدة ..
ضحك كثيرا وقال لها وعاوزه كام متر سعاده ؟
ولا تحبيها بالكيلو ؟
ظنت ان اباها يضحك معها وردت بسرعه والله براحتك بأه انت صاحب السعاده وانا جايه اشترى منك ادينى بالطريقه اللى تحبها .
مضى على هذا الحوار ثلاثة اعوام ولم يعد ابوها معها ، فقد تركها كما تركتها امها ، وكما فعل اخوتها ، ولم يعد البيت كما كان مليئا بهم ، وتذكرت أمها وكلمات ابيها؛ وسألت نفسها ماذا لو اشترت ماتحتاجه من السعادة فكم سيكفيها ؟
وهل تشترى بالكيلو ام بالمتر ؟!!!