كان يومه عصيبا ووقته مشحون ويريد ان ينسق ساعاته لحضور احتفالية كبيرة لتكريم تربويين مدعو هو اليها بصفته المتحدث الاهم فيها.. قام من نومه متوترا لم يجد زوجته بجواره كعادتها منذ تزوجها تصحو مبكرا وتقوم بكل واجباتها المنزلية قبل ان يصحو هو ليجد فطاره معدا واوراقه مرتبه وحقيبته معدة على اكمل وجه، لم يتزوجها عن حب ولكنه مع الوقت صار يحبها ويتفانى فى اسعادها وربما فى تناسى حبه الاول زميلته فى الدراسة التى لم تنتظره لحين تحسن اوضاعه ورضخت لاوامر اهلها وتزوجت ثريا عربيا اخذها معه الى بلاده فترة طويلة كان يتتبعها هو ويعرف كل اخبارها ..
لم يحتمل الفرحة عندما علم انها عادت ومعها طفلان واجبرت زوجها على ان يجد لها مكانا دائما فى بلدها على ان يزورها وتزوره وتمضى حياتها على هذا الاساس .
كان صعبا عليه ان ينساها بل انه فى بعض الاحيان كان يلتمس لها الاعذار ويحمل اهلها مسئولية ابعادها عنه وارغامها على الزواج من هذا الثرى ، هذا الاحساس جعله يصر على مقابلتها وبالفعل رآها بعد خمس سنوات لم يدخر وسعا فى متابعتها ومعرفة كل صغيرة وكبيرة عنها ، تغيرت كثيرا عن ايام الجامعة ولكنه كان يراها بقلب المحب وليس بعين عادية ، بعد عدة لقاءات عرضت عليه العمل فى الشركة التى اسسها لها زوجها لانها لن تجد أأمن منه فى التعاملات المادية ، وافق على الفور فهو كان يريد ان يكون بجوارها وربما فكر فى ان الفرصة قد جاءت اليه لتعود اليه حبيبته ، موافقته لم تحقق له ماكان يتمناه فقد صدمته عندما حاول ان يمسك يدها ذات مرة ويضمها اليه فنهرته بشدة واكدت له انها متزوجة وانها تحترم زوجها وتخاف الله وتخشى من اى معصية ، تمادى فى غيه.
وقال لها : انا على استعداد ان اتزوجك ومازلت احبك وسأحبك حتى اخر العمر ..،
كشرت عن انيابها وخيرته بين العمل فى الشركة كصديق وزميل دراسة ليس الا وبين ان يختفى من امامها الى الابد ، واختار الحل الاخير لانه لن يستطيع ان يكون مجرد موظف ، فهو مخلوق لها فقط .. زاد حزنه مرة اخرى بعد حزنه الاول عندما لم يتزوجها حينما تخرجا ، فى رحلة حزنه تعرف على زوجته الحالية فتاة مشاكسة لاتعرف اليأس من اسرة متوسطة صاحبة مشروع للمشغولات الصوفية ، لقاءهما كان صدفة وتحول الى مشاركة فى العمل وبعدها الى مشاركة حياتية ، لم يخبرها يوما عن حبه الاول ولكنه كان دوما يشعر انها على يقين بأن فى حياته امرأة اخرى ، بين شعورها ومشاعره تغير هو واصبح يحبها لدرجة انه استطاع ان يواجه حبيبته ويراها كى يقتل بداخله اى حنين لها.
حياته العائلية استقرت وتوسعت اعماله وتحول مشروعه الصغير مع زوجته الى شركات ومصانع وانتقل من شقة متواضعة الى فيلا ثم الى قصر فى ارقى المنتجعات ، واكتملت سعادته بالذرية الجميلة التى يتمنى ان تكون صالحة .
فى يومه الذى بدأه بالتوتر خرج على اثره الى مكتبه الفخيم واصطحب بعدها مدير اعماله حيث الاحتفالية التى يحضرها نجوم المجتمع وقادته . القى المدعون كلماتهم وحظيت كلمته بالتصفيق الطويل الذى فسره هو على انه نفاق اجتماعى لانه صاحب الحفل والمتكفل به ، جاءت لحظة التكريم ورآه من بين المكرمين استاذه فى المرحلة الابتدائية وقد اكل الزمن عليه وشرب وظهرت علامات الكبر جلية واضحة على كل مافيه من ملامحه وطريقة مشيه .
سلم عليه بحرارة وقال فى الميكرفون هذا استاذى الذى علمنى وربانى وتبسم المدرس وبابتسامته تأكد انه لايعرفه او بمعنى اصح لايتذكره . قبل ان ينتهى الحفل كان حريصا على شىء واحد ان يختلى بمدرسه وطلب من مدير اعماله ان يراقب المدرس ولايتركه يمضى الا بعد ان يلقاه ، وبالفعل جاء مديره بمدرسه اليه وطلب من المدير ان يتركهما معا .
وسأله الاتتذكرنى ؟
فرد عليه باستحياء لم يختلف عن ايام الدراسة : والله ياابنى الذاكرة مبقتش زى الاول ..
فقال له انا حازم تلميذك فى مدرسة جمال عبد الناصر الابتدائية !!
لم يتذكره المعلم فقال له انا مدين لك بحياتى كلها ، انا سرقت ساعة زميلى فى الفصل وعندما هاج الفصل وارتبك الكل اغلقت حضرتك باب الفصل بالمفتاح وطلبت الهدوء منا جميعا لتفتيشنا ، وساعتها كدت ان ألفظ انفاسى وادركت ان فضيحتى ستظهر على الملأ ، وحينها هممت ان اخرج الساعة واعترف بذنبى ولكنى لم استطع ان افعل ذلك ، طلبت حينها حضرتك ان نخرج الى الحائط ونغمض اعيننا ووجهنا فى مواجهة الحائط وقبلها فتشت الحقائب وجاءت لحظة تفتيشنا ، واخرجت الساعة من جيبى ، وساعتها كنت بين الحياة والموت ومنتظرا التشهير بى ولكنك لم تفعل بل انك اجلستنا فى اماكننا واعطيت الساعة لزميلى الذى فرح جدا وطلبت منا حينها الا يسأل احدنا عمن كانت معه ، ومنذ هذا اليوم وانا اريد ان اشكرك واثمن صنيعك معى ، هل تذكرتنى يااستاذى الان ، فنظر اليه مدرسه وقال لا لم اتذكرك لاننى حينما طلبت منكم ان تغمضوا اعينكم اجبرت نفسى عندما قمت بتفتشيكم على ان اغمض عينى حتى تظلوا كلكم امامى انقياء ولم اعرفك الا الآن …