منذ صغره وجد ابيه يصحبه معه الى المدافن ويراه وهو يحفر الارض ويعدها لاستقبال الموتى وقراءة ماتيسر له من آيات الذكر الحكيم والحصول على هبات من اهل الميت ومطالبهم بألا يهمل المدفن ويحرص على رى الزرع المحاط به ترحما على ميتهم . كان ابوه حانوتى والكل يناديه بهذه الصفة ان صح تسميتها لدرجة انه لم يعرف لابيه اسما وظن ان حانوتى هذا هو اسم ابيه حتى يوم ذهابه الى المدرسه ومنتداة المدرس عليه باسم عبد الرحمن عبد الغنى عبد الرحمن فأجابه بأنه اسمه عبد الرحمن حانوتى عبد الرحمن فضحك المدرس الذى كان يسكن بجوار محل اقامة ابيه المتواضع ويخبره بأن ابيه يعمل حانوتى وليس هذا اسمه.
يحرص عبد الرحمن على ان يجد فى دراسته ويتعلم حرفة ابيه فى نفس الوقت وهو الامر الذى اسعد اباه واحزن امه وترك اخوته يسخرون منه. يكبر عبد الرحمن ويدخل كلية الطب ويتفوق تفوقا مبهرا وتساعده مهنة ابيه على الثراء الفاحش فقد دعمته هذه الحرفة بكافة الطرق التى جعلت منه العارف بمطالب الطلبة والاساتذة وحتى السماسرة فيتوجه ليلا الى المقابر ويسرق الجثامين المطلوبةويوردها لمن طلبها مع التأكيد بأنه مجرد وسيط وانه يفعل ذلك من اجلهم فقط. ومع مرور الوقت ظهر على ساحة عبد الرحمن جمهور جديد من تجار الاعضاء الذين يدركون براعته فى حفظ اجراء يطلبونها من المتوفى وارسالها اليهم قبل فساد الرجاء منها وبها.
ينقل عبد الرحمن اهله من حيهم الفقير الى اخر يشار اليه بالبنان والافتخار يفتتح عيادة على ارقى مستوى يشارك اطباء فى مستشفى فخيم يصبح نجم مجتمع وشخصية يتهافت عليها الاقطاب ونواقضهم كل على حد سواء راغبين بمجرد ان يلوح اليهم بيده ومظهرا اهتمام بهم ولو قليل .يقنع نفسه بأن اوضاعه وصلت لمرحلة ضرورة الاقلا ع عن ممارسة صناعته وهجر نبش القبور والاكتفاء بما وصل اليه من ارتفاع مادى ووظيفى .
بين الحين والاخر يتراجع عن تعهده خاضعا لبريق المال ولسهولة العمل وايضا لاحساسه بأنه خبير فى هذا العمل لايضاهيه احد .\
تتوالى عليه فجأة المصائب فيموت ابويه وهما فى زيارة لمسقط رأسيهما فى الريف وينهار عليهما بيت العيلة القديمة وينجو الكل الا ابويه. عندما يدخل الى المدفن مع ابويه ويراهما غير مااعتاد عليه رؤيتهما يبكى بكاء حارا ويستصغر حجمه وقدره ويهمس فى اذنيهنا انه يحبهما .
يخرج عبد الرحمن من المدفن خائفا على ابويه من ان يسرق جسديهما الطاهرين سارق مثله ليتاحر فيهما وتزداد درجة خوفه لتصيبه بالهواجس والقلق فيقرر ان يعين حارسا على قبر ابويه وبالفعل يؤجر رجلين يحرسان باب المدفن من الناحيتين ويمضى يوم وتهاجمه الهواجس وتهمس له اذنه وتقول من يدريك ان الحارسين صادقان فقد يخونا الامانة ويبيعا الجثامين كلها التى ترقد فى المدافن وليس جثمان ابويك فقط. يقرر ان يصرف الحارسين ويستبدل ذلك ببوابة حديدية ضخمة ذات كاميرات واقفال ويستريح للفكرة ويهم بتنفيذها واذا بصديق له يؤكد له انه من السهل جدا اختراقها وسرقة من فى المقابر بمنتهى السهولة.
اعياه التفكير وارهقه وجعله اسيرا له وابعده عن عمله وتدهورت درجة تركيزه فى كل شىء وتراجع نجمه واتهمه كثيرون بالاهمال والعبث بمهنة الطب وسمعتها وسمعة من يعملون بها ، ولكنه لايكترث وكل همه كيف يحمى جثة ابيه وامه ومن بعدهما اخوته واولاده فيهديه تفكيره الى قرار اعجبه وصفق له وباركه وهو ان ينقل محل اقامته الى المقبرة ويصبح حارسا عليها امينا محافظا على جثمان ابويه الطاهرين يقابل قراره برفض اسرته وكل من يعرفه ولكنه لايستجيب ولايتراجع ليراه كل الناس على مدى سنوات طويلة جالسا امام قبر ابويه مهددا من يقترب باستئصال جزء من جسمه ان لم يكن كل جثته..