بين عشية وضحاها تحول بيتهم الى جحيم وخلافات تتصاعد حدتها يوما بعد يوم بسبب ان ابيهم اراد ان يقتنى كلبا ورفضت ذلك زوجته رفضا قاطعا وبين اصرار الام على الرفض ومحاولة الزوج استمالتها والحصول على رضاها وقبولها انقسم البيت الى فريقين احدهما مؤيد لقرار الام وكان الاغلبية كلهم الولدان والابنة والفريق الاخر كانت هى لوحدها مها التى تؤيد ابيها فى ان يسعد نفسه بما يريده حتى لو كان كلبا …
لم يستطع الاب ان يحصل على مايريد بسبب تعنت الام واصرارها على رايها ومعها عصبتها الذين نصبوا لمها العداء لانها لم تنضم لهم لنصرة امهم .
ومنذ ذلك اليوم ولم يعد البيت كما كان فقد اصبح كئيبا الكل يمسك للاخر على ذلة والام والاب متخاصمان وان كانت الام غير مبالية بعكس الاب الذى اصبح حزينا لان كلبه ليس معه بل تركه هناك فى بيت ابويه الكبيرين فى السن واللذين اثرا ان يأخذاه معهما حرصا منهما على عدم زعل ابنهم الذى قص عليهم الجدل المثار فى بيته بسبب كلبه الذى اسماه جميل .
عبثا حاول الاب ان يجلب كلبه معه وتعنتا رفضت الام وهددت بكل انواع التهديدات التى جعلت الاب يعلن هو الاخر رفضه ويصرح بترك البيت والعيش مع ابويه وكلبه وقد كان هذا القرار بمثابة القنبلة التى فجرت البيت وجعلت الزوجة وابناءها فيما عدا مها يعلنون سخطهم واستياءهم من قرار ابيها فيما جددت مها تاييدها لابيها فى قراره مادام هذا سيسعده مبرهنة على قرار امها واخوتها بعدم ادخال الكلب الى البيت لان هذا القرار يسعدهم .
وانتقل ابيهم للعيش مع كلبه والتنقل من هذا البيت الى بيت الزوجية للسؤال عن اولاده والاطمئنان على اوضاعهم المعيشية والاهتمام بشؤنهم المادية وعرضه على من شاء منهم حتى زوجته ان ينتقل للعيش معه فالبيت قديم وواسع ومتعدد الغرفات وجميل سيسعد بهم ،
لم يكترث احدا منهم بدعوته ولا حتى بالسؤال عنه وعن احواله فكل مايعنيهم امورهم المادية ومستحقاتهم كل شهر ؛ ماعدا مها فقد كانت تحرص على قضاء عطلة الاسبوع معه واوقات كثيرة كانت تحزم امتعتها وتقضى معه وقتا طويلا تباركه الام والاخوة لانها لاتسير على هواهم وفى مراكبهم .
الغريب ان مها كانت ترى السعادة تشرق فى وجه ابيها كلما جاء اليهم او ذهبت اليه وحديثه كله مرح وضحك وحياة بعكس امها التى قلما تتبسم ودوما مكتئبة ومهمومة مما جعلها تسأل ابيها عن السبب فيجيبها باشارة منه الى كلبه جميل فتضحك فيؤكد لها ماسمعته، ويسهب فى الحديث عن معانى السعادة التى يعيشها كلمة كلمة مع هذا الكلب وبأنه يشاطره حزنه قبل فرحه ويؤكد لها وهو يحتضنها ان الحياة تضيق عليكى اذا لم تجدى انيسا وقلما تجدى انسانا يحمل صفات الكلب وخاصة الوفاء والايثار..
فالكلب على استعداد ان يضحى بروحه من اجل صاحبه ، وسعادته بأن يراك سعيدا ، يحزن عندما تتركه ويفرح عندما تعود اليه، ينام تحت قدميك ، يصطحبك كظلك اينما ذهبت ، يتلمس اطراف راحتك ليريحك من اى الم وهم .
تنظر مها الى ابيها وهو يضحك ولايتوقف فى الحديث عن جميله الذى ملأ حياته حبا وجعله يتماسك بعد موت ابويه واحدا تلو الاخر ليخلو البيت على ابيه وجميل .
وتزورهما مها من حين لاخر ، الى ان يأتى يوم تعلن فيه مها الانتقال للعيش مع ابيها الى الابد بعد شجار مع امها واخوتها بسبب نصيحة مها لامها باقتناء كلب يجعلها سعيدة مثلما فعل جميل بأبيها وثورة امها على المقترح واتهامها لمها بالجحود والعقوق وبأن سعادة ابيها ليست من اقتناءه كلبا ولكن لنفض يديه من مسؤليتهم وقصرها على تزويدهم بالمال فقط وتركه كافة الاعباء على امها التى اعياها الزمن والسن ، وهددتها الام ان لم تكف عن قول هذه السخافات وعدم الذهاب لابيها منذ هذا اليوم ؛ وان لم تلتزم بهذه التعليمات فلا مكان لها معهم ، وبالفعل قبلت مها بالقرار وانتقلت الى ابيها وسط دعوات الام عليها وعلى ابيها بكل ماهو قاس ومؤلم .
فى هذا المكان عرفت مها كل ماقاله ابوها عن الكلب بأنه قليل من كثير ؛ فقد تعلقت بجميل واصبح يمثل جزءا من حياتها تعود من جامعتها متلهفة اليه وتعيش معه معانى جديدة من السعادة لم تعرفها ولم تعشها من قبل ، كبر ابيها واشتعل رأسه شيبا وزاد حبه وعشقه لجميله وسعادته بأنه لن يتركه وحيدا بعد موته ؛ وترد ابنته بالدعاء له بالعمر الطويل ، يزداد وهن ابيها وتلاحظ ان جميل صار ملازما ابيها وينظر اليه كثيرا واحيانا كثيرة تجده يبكى دموعا فيقول له ابيها : متزعلش انا كويس، همه بس السنين اللى معجزانى وهخف ونرجع نخرج ونتمشى ونسافر ونجرى على رملة البحر وناكل كبده ونحلى بالايس كريم واترمى فى حضنك فى عز البرد وتدفينى بفروتك وقلبك الحنين ، يزداد بكاء جميل ويصدر اصواتا تؤكد حزنه وكأنه يشعر بدنو اجل صاحبه الذى يصارح ابنته فور عودته من طبيبه بأن اجله اوشك على النهاية وفق ما اخبره الطبيب ويضحك ويبكى وهو يحتضن ابنته : تصدقى جميل اشطر من الدكتور عرف من غير كشف واشعة وتحاليل ومنظار ومسح ذرى انى على عتبة الموت ، تبكى مها وتطلب منه الذهاب الى طبيب اخر فهى تعرف زميلا لها ابيه طبيبا مشهورا ، فيقاطعها ابيها قائلا ياحبيبتى انا كنت حاسس بالموت بس كنت رافض التصديق وعشان كده رحت كشفت وعملت التحاليل عشان اكذب احساسى واحساس جميل ، عارفه يامها انا زعلان اوى من ربنا عشان مش هيخلى فى الجنه كلاب وهيحرمنى من جميل ، النهارده وانا خارج من عند الدكتور سألت نفسى فى الاخره وازعم انى لم اغضب الله وطامع فى رحمته ودخولى الجنه معى اهلى وذريتى وكلبى ولذا فتوجهت الى دار الافتاء اسأل عن مصير كلبى فصدمت بأنه لن يكون معى لان الجنه مفيهاش كلاب زى ماالشيخ قالى وهو قرفان منى .
بعدها بايام قليلة مات ابيها فى فراشه وبجواره كلبه ، الذى اصبح تمثيلا حيا لمعنى الحزن ؛ فقد امتنع عن الطعام ، ولم يغادر حجرة صاحبه الا لقضاء حاجته كما عوده منذ صغره بأن يقضيها فى الحمام مثله مثل البشر ، اوقاتا كثيرة تصحو مها على عويل جميل فتجده قد اخرج ثياب ابيها من دولابه ويتشممها ويذرف الدمع ، ويموت جميل وتفشل مها فى ان تدفنه بجوار ابيها كما طلب ؛ وتواجه بالشتائم والسب واللعن من امها واخوتها واهلها اجمعين فتدفنه فى حديقة المنزل وتزرع فوقه الزهور والصبار ، وبعدها تجوب الدنيا طولا وعرضا باحثة عمن يفتيها بامكانية ولو واحد فى المية من دخول الكلاب الجنه وان الجنه سيكون فيها كلاب …