فى أخر أيامه من عمره القصير تغير كثيرا وتبدل حاله وأصبح إنسانا غير الذى كنا نعرفه .
أذكر أنه من فترة قصيرة أرسل لى رسالة على الهاتف يحدد فيها مكان وموعد لقاءنا ، وبالطبع انا اعتدت منه هذه الطريقة فى التعامل فهو تعود ان يكون الآمر وهو صاحب القرار ولابد أن ننفذ مايقوله ، نحن شلته المكونة من ستة أشخاص أربعة أولاد وأنا وهبة أصدقاء منذ الجامعة وحتى هذه اللحظة التى أحكى فيها عنه وعن لقاءه الفارق فى عمرى .
كان باسم نوعا فريدا من الرجال مخلوق عبقرى فى كل شىء كان طفرة فارقة فى عالم الرجال فقد ملك صفات لم تمنح لغيره تضيف إلى صفاته الجمالية معان اخرى .
كان هو قائد السرب كما كنا نسميه فهو دوما يبتكر ويجازف ويركب الامواج ونحن معه وبهذه الطريقة صرنا كلنا أغنياء فى سنوات قليلة من تخرجنا فقد فتح لنا عوالم للتجارة والاستثمار لم نكن ندرك كيفية طرقها الا به وبذكاءه ومرونته فى التعامل ، كان يشبه عادل امام فى احد افلامه عندما يجبر من بيدهم الامر على الاذعان له وتلبية مطالبه . فى اقل من عشر سنوات صرنا نجوم مجتمع ورجال اعمال واصحاب املاك وصار باسم هو القائد وهو الكل فى الكل .
بعضنا تزوج والاخر رفض الفكرة وكنت انا وباسم من هؤلاء الرافضين وكل اسبابنا أننا لانزال بحاجة لمزيد من الوقت لقتل حريتنا بالزواج . ذهبت إليه وجلس بجوارى ملامحه غير ذى قبل وصوته واهنا ويبدو نحيلا على الرغم من أننى التقيه كثيرا . قال لى بدون اية مقدمات انا مقبل على حالة لن استطيع ان آخذكم فيها معى كما اننى لن استطيع ان اخبركم عن وضعيتى فيها ، وبكى لاول مرة منذ أن عرفته بكى بكاء فى طيلة عمرى لم اشاهد أحدا يبكى مثله سوى اختى عندما فقدت ابنها البكر فجأة وبدون مقدمات .. لم ادر ماذا افعل وكيف اوقف هذا النهر عن التوقف عن ذرف الدموع والانتحاب .
اقتربت منه وامسكت يده اربت عليها فارتمى فى حضنى وواصل البكاء وانا مصدومة مكتفة لاادرى شىء ولااعرف ابجدية احتواء هذا الموقف .
بعد وقت لاادرى كم طال قال لى انا مريض مرض عضال ولم يتبق من عمرى الا القليل . لطمت على وجهى عندما سمعت هذه الكلمات ولاادرى لماذا فهو طيلة هذه الاعوام لم يكن سوى صديق لم يخفق له قلبى بل أننى كنت احكى له عن حبى لزميلنا شامخ وبعذابى من عدم مبادلته الحب وبحزنى الأعظم عندما تزوج صديقتنا ، كان باسم بالنسبة لى نفسى التى لااخجل منها ابدا مهما فعلت من اخطاء وهو ايضا كان يقص لى كل صغيرة وكبيرة حتى علاقاته المشبوهة وغرامياته المتعددة ..
حاولت ان اتمالك نفسى وقلت له لازم نروح لاكثر من دكتور ومنخدش برأى واحد بس ونبعت التقارير بلاد بره وهمه يحددوا ، واستدركت ؛ ونبعت ليه نروح احنا ونعرض نفسنا على الاطباء واكيد الطب بره متقدم كتير عن هنا ، وأنا ليا اقارب دكاترة كتير فى فرنسا والمانيا وامريكا هبعتلهم حالتك ونحدد معاد ونسافر . وصمت لأواصل معاه البكاء وأقول أنا مقدرش اتخيل الدنيا من غيرك ، تعرف إنى رفضت فكرة الجواز عشان ممكن تقيد لقاءاتى معاك ، أنا متخيلش ييجى وقت مفيهوش باسم ولا رقمه أطلبه ولا كل حاجه تتعلق بيك مش موجوده ،، تبسم بصعوبة وقال لى تتجوزينى ؟
وقبل أن اجيبه استكمل وقال انا لا أريد الموت ولاأريد أن تطوى صفحتى من الدنيا طيا أريد أن أبقى فى قلبك ومن خلالك ، لقد أعدت على ذاكرتى كل شىء فوجدت أنك تمتلكين مخارج ومداخل كثيرة فىها ووجدت أن أموالى الكثيرة جدا أنت أحق الناس بها والمهم أنك تستحقى انسان مثلى سيسعى فى شهوره الاخيرة وربما يكون عام أو أقل سيسعى لان يترك مخزونا استراتيجيا لك يغنيك عن كل الرجال ، وضحك وقال طبعا أنا مغرور كالعادة وانت تتقبلين غرورى كما عودتينى ، تزوجينى تهبينى نسلا يذكرنى به اللاحقين . ووافقت على الزواج منه ليس لكل ماذكره ولكن لشىء خفى فى قلبى يربطنى به ولا أدرى ماهو ، حملت بتوأم ولدان طلب منى مستئذنا أن يسمى أحدهما على إسم أبيه وانا طلبت منه أن يكون اسم الثانى على أسمه كى يظل معى طيلة عمرى وحينها ضحك وقال أو أن تشتميه كما شئت وكلها لى ..
فى يوم مولد إبناى رحل هو ممسكا بيدى فى غرفة الولادة ناظرا الى ابنيه باكيا باسما ، تحول يوم الميلاد إلى ممات ، لا أدرى كيف استطعت أن اتحمل هذه اللحظة القاسية ولكننى لازلت اعيش مع أبناى به ومن اجله …