ناس كتير مستعجبة: إيه اللي يخلي واحدة زي مريم في حكاية “جدول الضرب” من مسلسل “نصيبي وقسمتك” تستحمل الضرب والإهانة؟ وشايفين إن ده شئ مش واقعي. شايفينها واحدة متعلمة ومن عيلة ومش مضطرة ماديا مثلا عشان تتحمل كل ده. أحب أقول لكم إن ده سيناريو واقعي جدا جدا.
تعالوا أحكيلكم:
شخصية آدم هي تجسيد للشخصية النرجسية المرضية Narcissistic Personality Disorder.
آدم هو شخص عنده شعور داخلي بالضعف الشديد وانعدام الثقة بالنفس لكن بيحاول يعكس للي حواليه شخصية واثقة في نفسها زياده عن اللزوم عشان يعوض النقص الشديد اللي جواه. يعني بيروح من إكستريم لإكستريم، وبالتالي آدم بيستمد إحساسه بالقوة والثقة من قدرته على السيطرة على غيره. اللي زي آدم عادة بيدور على ضحية ناجحة وقوية عشان لما يسيطر عليها ويهدها يشعر بقوته وبإنه جامد قوي.
ضحية آدم عادة بتكون شخص empathetic. يعني شخصية عندها قدرة كبيرة على التعاطف مع الآخرين وإنها تحط نفسها مكانهم. عشان كده بتبقى شخصية متسامحة بتعذر وتقدر وتصبر وبتيجي على نفسها وبتحب بصدق.
شخصية محتاجة (ممكن زيادة حبتين) للحب والعواطف والاهتمام. شخصية مابتعرفش تدي ده لنفسها لكنها محتاجة الآخرين يدولها ده. طبعا احتياجنا للحب والاهتمام ده احتياج طبيعي. بس ضحية الشخص النرجسي اللي بترضى تستمر في علاقة مريضة بالشكل ده هي شخصية عندها احتياج زائد أو احتياج مرضي.
ودي الطريقة اللي بيسيطر بيها الشخص النرجسي على ضحيته واللي بتخليه قادر يعاملها كده.
العلاقة دي عادة بتعدي بـ 3 مراحل:
1. مرحلة الحب الجارف love bombing ودي المرحلة اللي فجأة بيهبط فيها الشخص النرجسي على الضحية وبيغرقها مشاعر ويعاملها أحسن معاملها ويديها اهتمامه كله وبتحس إنها طايره وفي الجنة والوضع كله بيبقى too good to be true.
ممكن جدا يعترفلها بحبه بعد أسبوع أو أسبوعين من معرفته بيها ويبتدي يتكلم عن الجواز ويبقى مستعجل. وهي عشان أصلا شخص بيدور على الشكل ده من الحب بتبلع الطعم وبتصدق إن ده حب حقيقي فعلا.
2. مرحلة التكسير devaluation ودي بتيجي بعد ما يكون الشخص النرجسي خلاص ضمن الضحية وحبها وولائها. يبتدي بأه يقول لها كلام يقلل منها ومن صفاتها ومن إنجازاتها ويهز ثقتها في نفسها ويوهمها إن هو الصح وهي الغلط. وتبتدي هي فعلا تصدق ده وتشك في نفسها.
3. مرحلة الترك discard ودي المرحلة اللي بيسيبها فيها بإنه بيخاصمها شوية ومايرضاش يرد عليها لمدة ساعات، أيام، أسابيع، أو شهور … حسب الحالة بأه. وتفضل هي تحايله وتبقى عايزه تصالحه وهو متمنع. هي عندها عطش شديد للحب والعواطف فمش طايقه الخصام. وهو المحايلة والوجع اللي هي فيه بيرضي غروره وبيحسسه بالأهمية فبيسوق فيها.
وبعد شوية لما هي بتزهق أو لما هو يجيله مزاج ينهي الحالة دي أو لو هي أخدت موقف وزعلت شوية زي لما كانت مريم أوقات بتزعل شوية بعد الضرب، يبتدي تاني يدي حب ومشاعر وتخش تاني في المرحلة الأولى وتتكرر ال 3 مراحل من الأول وتفضل العلاقة بتدور في دايرة التلات مراحل.
وطبعا شوية بشوية المرحلة الأولى بتقصر والمرحلتين التانية والتالتة بيطولوا. وتفضل الضحية عايشة على الفتات اللي مستنياها لما ييجي معاد المرحلة الأولى. طبعا العلاقة مع الشخص ده علاقة مجهدة نفسيا وعاطفيا لأقصى درجة. بالذات إن الضحية شخصية حساسة وعاطفية والشئ اللي بيخليها مستمرة في العلاقة هو احتياجها العاطفي. فبتفضل متأرجحة بين الحب الجارف وبين حالة الصدمة الشديدة والوجع العميق. فوق قوي وتحت قوي. وتفضل كده زي اليويو. وده شئ طبيعي يسبب أمراض جسدية نتيجة الضغط الشديد.
وطبعا الشخص النرجسي بيستخدم شوية تكتيكات بتمكنه من إنه يسيطر على ضحيته:
– إنه يلخبطها، يقول لها الحاجة وعكسها، ويوهمها بعكس اللي هي عارفاه طول عمرها أو شايفاه بعنيها. كلنا شوفنا ازاي لما ضربها أول مرة وصلها إنها في الآخر اللي اعتذرت له. طلعها هي اللي غلطانة مش هو. هو طبعا مابيغلطش أبدا وأي حاجة بتحصل هي دايما السبب فيها. وهو ملاك طاهر برئ وكل حاجة بيعملها مبررة. ولو حصل واعتذر مرة هتبقى جزء من ال love bombing phase مش أكتر.
– يشككها في كل اللي حواليها ويحاول يبعدها عن أصحابها وأهلها عشان يعرف يسيطر عليها.
– العقاب: في صورة معاملة جافة، ضرب، خصام، تريقة، إهانة من أي نوع. المهم إن الضحية دايما بتبقى ماشية على قشر بيض في العلاقة. خايفة تعبر عن نفسها ومشاعرها وأي حاجة جواها عشان خايفة من العقاب. وبالمناسبة العقاب ممكن أصلا ييجي من غير سبب ولا أي شئ قالته أو عملته.
– صعب تقعدي مع الشخص النرجسي قاعدة ناس ناضجين وتتناقشي مناقشة تطلعي منها بحاجة. مفيش حوار بناء واتنين بيحاولوا يوصلوا لحلول ترضي الطرفين. الكلام ده مش موجود في العلاقة دي. الحوار دايما بيتقفل والترابيزه بتتقلب، والشخص النرجسي دايما بيقول تعليقات سخيفة من غير ما يحاول يركز على المشكلة أو الموضوع محل المناقشة. والضحية دايما بتكون مش فاهمه حاجة وفي حالة توهان ومش واصلة لأي أجوبة على أي أسئلة.
– الشخص النرجسي مش بيقدر أي حاجة بتعملها الضحية. وبالتالي الضحية مهما بتعمل فهي دايما مقصرة ودايما مش كفاية وده بينعكس على إحساسها بعدم الرضا عن نفسها وإنها تستاهل المعاملة السيئة. وبتعيش في حالة أمل دائم إنها لو بذلت مجهود زيادة شوية الأحوال هتتصلح والعلاقة هتكون أحسن. وتفضل بأه بتسابق الريح طول العلاقة. أوهام طبعا. العلاقات دي مفيش منها أمل. وعمرها ما بتتحسن. هي بتسوء بس.
– ده غير تكتيكات تانية كتير زي إن يبقى حواليه ناس بتقويه وهو بيستخدم ده ضد الضحية، أو إنه يشعل غيرتها مثلا.
وبالمناسبة الشخص النرجسي عادة بيكون كداب وخاين، وده بيبان بعد فترة من العلاقة. وعادة الضحية بتشوف علامات من الأول لكنها بتكون ميالة إلى إنها تصدقه وتثق فيه وتكذب نفسها وعنيها وودانها وكل اللي حواليها. وكل ده في سبيل الحلم والوعد الكاذب بالحب والمشاعر والاهتمام.
الشخص النرجسي في العلاقة دي شخص مريض بامتياز. وطبعا فيه درجات مختلفة من النرجسية. وموجوده في الجنسين لكن في الرجال بشكل أكبر. والعلاقات دي مش بالضرورة تبقى علاقات حب وزواج فقط، يعني النرجسي ده ممكن يبقى حبيب، حبيبة، زوج، زوجة، أب، أم، أخ، أخت، صديق، صديقة، زميل أو رئيس في العمل، أو حتى ابن أو ابنه. كل العلاقات الإنسانية وارد يظهر فيها نفس القالب ده من العلاقات لو توفر الطرفين دول.
من بره بنبقى شايفين الخروج من العلاقة دي سهل جدا والأمور واضحة، خاصة لو فيه اعتداء جسدي. لكن في حقيقة الأمر إن الضحية بيبقى معمول لها brainwashing محترم، وبتبقى فعلا مصدقة إن فيه حب بيربط ما بينها وبين الجاني. وبتبقى متمسكة بالخيط الرفيع من الحب اللي هي متخيلة إنه موجود. وعشان كده الشئ الوحيد اللي خلى مريم تخرج من العلاقة دي هي إنها اتأكدت من الخيانة وإن حتى وهم الحب ده مش موجود. وعلى فكرة حتى في الحالات دي ممكن جدا يرجع لها ويلعب على عواطفها ويقول لها إنه اضطر وإنها هي اللي في القلب ويكمل في ال brainwashing وهي تصدق وتكمل عادي.
في حالات كتير من العلاقات دي الشخص النرجسي هو اللي بيقرر فجأة وبدون مقدمات إنه هو اللي يسيب الضحية نهائيا. وبيسموا ده ال final discard وده بيديله إحساس بالفوز بيخدم نرجسيته. وده عادة بيحصل بعد ما يكون هدم الضحية تماما وحولها من شخصية قوية ناجحة متوهجة مقبلة على الحياة لشخصية مكتئبة منهزمة تعيسة فاقدة الثقة في نفسها وبالتالي بيزهد فيها لإنها لم تعد تغريه كضحية. ويخرج من العلاقة للبحث عن ضحية جديدة.
من المهم أن نعرف الحقائق الآتية:
1. أولا أن ضحية مثل هذه العلاقة غالبا ما تكون إنسانة متميزة. وبالتالي فكل الاتهامات التي يحاول الشخص النرجسي إلصاقها بها ما هي إلا افتراءات ليست فيها. فإن كنت ضحية مثل تلك العلاقات، فاعلمي أن الخطأ ليس بك وإنما في الجاني.
2. الخطأ الوحيد الذي يمكن أن يكون بك إن كنت استمريت في علاقة كهذه دون أن تنهيها سريعا هو احتياجك المرضي للحب والاهتمام والذي يدفعك للقبول بعلاقة مرضية والقبول بالإهانات من أجل الحصول على الفتات. إن كان احتياجك مرضي فهو غالبا ناتج عن نقص في المشاعر من الطفولة. وبالتالي فالخطوة الأولى هي الوعي والتحليل النفسي الذي يساعدك على تخطي مشكلتك.
3. الاحتياج المرضي ده هو اللي بيسهل عملية ال brainwashing وبالتالي عملية السيطرة على الضحية، السيطرة على أفعالها وأحلامها وأفكارها وتصرفاتها وتغييرها والتدخل في كل صغيرة وكبيرة في حياتها لدرجة تقرير أكلها وشربها ومواعيد نومها وخروجها وكل حاجة. هو حب السيطرة من أجل السيطرة وتحويلها إلى دمية وسلبها من حريتها وإرادتها الكاملة لتصبح كيان تابع للجاني وليست شخصية مستقلة بذاتها.
4. أن الشخص المصاب بداء النرجسية هو الآخر نتاج مشاكل منذ الطفولة. فهو عادة تم تربيته على يد أب أو أم نرجسيين أو تم إهمال مشاعره أو التقليل منه بشده من الصغر. علاج هذا الداء صعب جدا جدا. ولا يمكنك أنت كضحية فعل أي شئ. ولو كان هناك أمل في العلاج فيجب أن ينبع من رغبة صاحب المرض في العلاج. وهو ما يصعب الأمر، لأن الشخص النرجسي عادة لا يريد أن يعترف أمام الآخرين أو حتى أمام نفسه أن لديه مشكلة.
5. الحل الوحيد أمامك هو الخروج من تلك العلاقة فورا لكي تنجو بنفسك (وبأولادك في حالة وجود أولاد) من علاقة مؤذية لا أمل فيها.
6. في حالات كثيرة يصعب على المحيطين بالضحية تفهم المعاناة التي تمر بها، وأنها تمر بأحد أشد حالات ال emotional abuse والتي تجعل من الصعب عليها رؤية الحقيقة وإن حدث واستبصرت فإنها تمر بفترة غير سهلة من الاستشفاء. الانفصال من علاقة تعرض فيها الإنسان لأذى نفسى وعاطفي غير الانفصال عن أي علاقة أخرى.
علينا جميعا محاولة تفهم ما تمر به ضحية الشخصيات النرجسية والصبر عليهم والوقوف بجانبهم حتى وإن لم نفهم ألمهم بشكل كامل. فغالبا لن يفهم ذلك الألم إلا من مر به حقا. وعفانا الله جميعا من الألم النفسي.
#أمال أبو سته_