ولدت في ثمانينيات القرن الماضي، وبدأ وعيي الموسيقي كمستمع يتشكل في التسعينات على أغاني هذا الجيل من أمثال محمد منير، عمرو دياب، محمد فؤاد، إيهاب توفيق، هشام عباس، محمد محيي، خالد عجاج، وعامر منيب رحمه الله، وغيرهم العشرات بل المئات من الذين ظهروا في هذا التوقيت وقدموا للمكتبة الموسيقية العربية أغاني رائعة مازالت محفوظة في الذاكرة، غير أنه وللأمانة وفي الألفية الجديدة بدأ يختفي بعض هؤلاء النجوم إن لم يكن معظمهم، ليظل عمرو دياب وحده محافظاً على مكانته وتصدره للقائمة.
نجاح عمرو دياب وتصدره للقمة لسنوات طويلة حتى وإن تراجع قليلاً لبعض الوقت، جعلني أفكر في كيفية حفاظه على نجوميته ومكانته الكبيرة عند جمهوره الذي لم يتوقف عند جيلنا فقط، بل امتد إلى مواليد التسعينات والألفينات، فوجدت أن عمرو صنع لنفسه أسطورة غنائية اعتمدت على أربعة نقاط كان حريصاً عليهم ولم يسمح لنفسه قط أن يتنازل عن أي منها، أولها تصدير نفسه كمطرب وفنان عالمي لا يسمح لأحد بالدخول في حياته الشخصية ومعرفة تفاصيلها، فقط الفن والأغنيات والجوائز، والثاني هو “اللوك” الذي يظهر به في الكليب، والذي غالباً ما يكون مختلفاً حتى يصبح موضة بين الشباب.
أما النقطة الثالثة في خلطة بناء أسطورته فهو الفيديو كليب الذي سيقدمه، والذي لابد أن يحتوي على كافة عناصر الإبهار من إضاءة وتصوير وموديلز يتمتعن بالجمال والأنوثة المفرطة، ثم يأتي في المرتبة الرابعة الأغنية نفسها والتي يجب أن تكون ألحانها “مطرقعة” في المقام الأول حتى تجذب الأذن، ثم يتم تركيب وتوفيق الكلمات عليها.
خلطة عمرو السحرية ذات الأربعة بنود هذه كانت سبباً في نجاحه لسنوات وحفاظه على مكانته بين الجمهور، الذي كان يردد دائماً أن عمرو دياب لو طرح ألبوماً فارغاً في الأسواق لا يوجد به أي أغنية فقط هواء، فسوف ينجح هذا الألبوم ويحقق مبيعات كبيرة وعالية، فيكفي أن عليه اسم الهضبة على حسب كلامهم.
عشت طوال حياتي رافضاً تصديق هذه الأسطورة التي كان يرددها دائماً دراويش الهضبة لعدة أسباب، أولها أن الجمهور وخاصة هؤلاء الدراويش وضعوا عمرو في مكانة كبيرة وعالية جعلته فوق النقد، فويلٌ لكل من تسول له نفسه انتقاده أو انتقاد إحدى أغنياته أو كليباته، وهذا خطأ لأن عمرو إنسان من الممكن أن يخطأ، وهي النقطة التي تحطمت بعد انفصال عمرو عن زوجته زينة عاشور ودخوله في علاقة مع الممثلة دينا الشربيني، حيث دأب عدد كبير من جمهوره على انتقاده بشكل مستمر وبطريقة لاذعة عقب كل حفلة تظهر فيها دينا، فضاع بذلك البند الأول في بناء أسطورته الغنائية.
وجاءت الطامة الكبرى والتي قضت على الجزء الأكبر من الأسطورة بعدما دأب عمرو مؤخراً على تقديم أشياء لا ترقى لأن تكون أغنيات مثل “فرفتوا الفتافيت”، وتلك التي طرحها ترك آل شيخ عبر حساباته المختلفة على مواقع التواصل الاجتماعي وقال إنها أغنية وطنية لعمرو دياب تحمل اسم “أنا بعشق مصر” ولا تحمل أي نوع من الإبداع لا في الكلمات ولا الألحان ولا يوجد بها توزيع موسيقي من الأساس، مما فتح النار على عمرو من جمهوره ودراويشه أنفسهم الذين اتهموه بمجاملة ترك وغناء أي كلام مقابل الحصول على نفحاته وهباته التي لا تعد ولا تحصى.
هجوم الجمهور على عمرو وضياع جزء كبير من أسطورته الغنائية التي ظل يحافظ عليها لسنوات طويلة، جعلني اتأكد من نظريتي بأن العمل الجيد هو الباقي وأن الجمهور دائماً ما يسعى خلف من يسعده ويقدم له الفن الذي يرضيه ويرضى ذوقه وإحساسه.. ويبقى السؤال الأهم هل يفيق عمرو ويعود كما كان دائماً الهضبة الذين يحسن اختياراته أم سيضيع ما تبقى من أسطورته الغنائية ؟!.