صحونا كلنا فى بيت العيلة على خبر وفاة زوج ابنة خالتنا فجأة وبدون أية امراض ولاحوادث ، استقبلنا الخبر بحزن وتخوف على أبنة الخالة غيداء وكيف ستواجه الحياة بابناءها الثلاثة وبشبابها الغض فهى لم تنه عقدها الثالث وعلى قدر من الجمال والطلة البهية . كانت غيداء تقاربنى فى العمر وإن اختلفت الصفات والطبائع فهى كانت على قدر كبير من الحرص والحذر فى كل شىء وتعمل حساب للغد وتداوم على عمل ميزانية حالية ومستقبلية لكل صغيرة وكبيرة بعكسى تماما فأنا كما يصفنى اهلى والمقربون منى بأننى شخصية عشوائية وبعضهم يقول عنى اننى ألاوية اى تاركة كل امورى لله وعلى الله واتأقلم مع أية وضعية .
غيداء كانت مدرسة وزوجها كان طبيب ، تزوجته زواجا عاديا او مايطلق عليه زواج الصالونات ، وانجبت منه ثلاثة ابناء بنتان وولد ، منذ أن تزوجته وتغير حالها ولم تعد كما كانت ضحوكة متألقة بل اصبحت شخصية كتومة صامتة دوما ولاتتحدث إلا فى اقل النطاق.
تباعدنا لظروف زواجها وظروف عملى التى اخذتنى من المشاركة العائلية ولكنى كنت دوما اسأل عنها واتحدث اليها هاتفيا فى مناسبات واعياد وغيره ، ابى رحمه الله كان دوما يتحدث عنها وبذكرها بأنها صابرة ، وعندما نسأله عن فحوى الكلمة كان يتهرب ، إلى أن جاء هذا الخبر المفجع بالنسبة لنا وذهبنا كلنا اليها وانا بصفة خاصة لانها صديقتى وابنة خالتى ، عندما رأيتها كانت ملامحها متماسكة بل اننى شعرت انها ليست حزينة على فراقه ، حاولت ان اجنب هذا الاحساس والقى به بعيدا وقلت بينى وبين نفسى كيف لاتحزن على فراق رفيق دربها أننا نحزن على فراق حيوانات عاشت معنا وذكرت نفسى بألمى واكتئابى عندما مات كلبى ليو بعد خمس سنوات عاشها معى ، فكيف لرفيق غيداء الذى لازمها خمسة عشرة عاما . ..!
مرت ايام العزاء وانا معها ليل نهار لااغادر بيتها ابدا وكلما قلت امامها الله يرحمه ترد بسرعة غريبة الله يسامحه ، لم استفسر منها عن مغزى العبارة تخوفا من الموقف وايضا ربما تكون هذه العبارة لها رصيد دينى يظهر جهلى فى التشريعات والعبادات ، بعد ايام وربما شهر ، كنت اجلس معها ونظرت الى وقالت : تأخر موته كثيرا ، كان يجب أن يموت منذ زمن طويل ، لقد استنفذ كل مافى ، تركنى جرداء من كل شىء ، مشاعر و قلب حتى ابتسامتى لم أعد استطيع أن ارسمها على شفتاى ، سلب منى عمرى كله ، وكلما شكوت لاهلى منه كانت ردودهم كلها تندرج تحت مبدأ مسيره يتغير وينصلح حاله ، الوحيد الذى كان يتفهم المى هو ابيكى زوج خالتى الغالى فكان دوما يصفنى بالصابرة ويقول لى اعتبريه ميت هو الميت حد مستنى منه حاجه ؟
ولم استطع أن اعتبره ميتا لاننى أنا من مت قبله من سوء معاملته ومن رائحته فقد كان لايستحم الا للضرورة القصوى ، وكان يرتدى اسوأ الملابس وكانت جواربه كلها ممزقة مع أنه كان يمتلك الكثير من المال ، لم يكن بارا بأمه وكانت تبكى من قسوته عليها وبخله عنها ، وكنت احاول جاهدة أن أقوم بما لايقوم هو به وعندما علم حول حياتى إلى عذاب وهددنى بكل ماهو غير انسانى ،بل أنه فسر مااقوم به مع امه باننى ازيدهم طمعا فيه وبأن لديه الكثير مع إننى كنت اعطيها من اموالى ومن راتبى ، فقد كانت سيدة جميلة فى كل شىء ، دعت عليه بأن يحرم من لذة الرضا ، ويبدو أن الله استجاب لها فقد كان كما الثور فى الساقية يفعل اى شىء من اجل المزيد من الاموال حتى تصاريح الوفاة المشبوهة كان يقوم بها مقابل المزيد من الاصفار البنكية . عشت عمرى معه مهانة ، هل تتخيلى انه كان يذنبنى فى ليالى الشتاء القارسة البرد ويحكم ان اظل طوال الليل عارية واقفة ووجهى للحائط ، هل تتصورى ان راتبى كله كان يأخذه كاملا وكنت اخفى عليه مااتقاضاه من التدريس الخاص كى استطيع أن اشترى لنفسى ضروريات الحياة ، هل تعرفى اننى لم اكن اجرؤ ان اشترى اى ملابس جديدة لاننى ساعتها سأتهم بالتبذير وبأننى أريد أن أظهر زينتى للرجال ، وبأننى سيدة سيئة الاخلاق ، تحملت فوق طاقتى من أجل ابنائى وكنت احتسب الله عليه ليل نهار ، وكنت انتظر موته أو موتى ، وعندما مات فجأة وهو فى حجرته نادى بصوت متقطع فهرعت إليه اشتكى من ضيق نفسه وبما أنه طبيب فقد قال أن هذه الاعراض اعراض ذبحة صدرية وأشار إلى درج فى مكتبه اعطانى مفتاحا له لكى أحضر له العقار وعندما فتحته صدمت من كمية الاموال التى فى الدرج وهلعت من المنظر واخرجت العقار وناولته اياه فتناول ثلاث حبات ، وأشرت عليه بأن نذهب الى المستشفى أو أن نحضر طبيبا وانادى على اخوته كى يساعدونى فنهرنى بشدة ، وتغير وجهه وصار يميل إلى الزرقة وهممت بالصراخ فوضع يده على فمى بقوة مبالغ فيها ، ساعتها قلت له اطلب منى السماح والعفو ، فضحك ضحكة صفراء وسقط على الارض ، ادركت أنه مات فقمت الى الدرج وجمعت كل الاموال ، وفتحت بسلسلة المفاتيح كافة الادراج وكلها حبلى باموال وعقود شقق واراضى ومزارع ، جمعت كل هذا ووضعته فى دولابى بهدوء غريب وصرخت بعدها معلنة وفاته …