كان زميلى فى الجامعة فيه كل صفات الجمال الاخلاقى والخلقى ، يسارع فى الخير بكل ماأوتى ، ضحوكا لاتهجر الابتسامة شفتيه حتى فى اشد المواقف واصعب الاوقات . لم نكن نعلم عنه غير انه وحيد لاأخت له ولا أخ وأن أبيه انفصل عن أمه منذ حملها فيه وايضا أن من ربته هى جدته لامه .
مرت بنا سنوات والتقيته بعدها فى عيادة طبيب ومعه سيدة عجوز يمسك بيدها ويقبلها من رأسها بين الحين والاخر .
نظر إلى وأنا ايضا وسلم على بحرارة لاتختلف عن سلامى له وسألنى عن احوالى وسألته حتى نادت الممرضة على اسمه فأستأذننى وأخذ رقمى وانا ايضا اعطيته رقمى على وعد باللقاء وجمع الاصدقاء مرة أخرى ومحاولة سرق ساعات من الزمن الحالي لنعود إلى زمننا الجميل زمن الدراسة والاصدقاء .
غاب كثيرا داخل العيادة وكان دورى لايزال أمامه وقتا فقلت أذهب لأتسوق وأعود فى أخر الموعد إلى هذا الطبيب الذى دلنى عليه كثيرين يمجدون فيه وفى تشخيصه الصائب لألمى الذى صار لايتركنى ليل نهار وأصبحت أعانى من الارتجاع فى كل وقت بصورة مؤلمة ومرهقة ، عدت ولم أجد صديقى ووجدت العيادة فارغة والطبيب يهم على الخروج لولا أن استوقفته الممرضة وادخلتنى إليه ، بعد يوم او ربما اكثر رن هاتفى برقمه ذلك الصديق الطيب كما كنا نسميه وبحرج مبالغ فيه حدثنى يطلب ان نلتقى ويؤكد على اصطحاب الاصدقاء اذا ضايقك وجودك معى بمفردك ، فضحكت وقلت له أنت لم تتغير رغم تغير الدنيا كلها .
ذهبت اليه فى كازينو المنيل ذلك المكان الذى كان يجمعنا دوما بعد أو اثناء اليوم الدراسى فى جامعة القاهرة ، نظرت إلى ملامحه وجدتها ازدادت رضا وقبول زادها صغرا فى العمر ونضرة فى الملامح ، بدأت حوارى بسؤالى عن احواله ، فأجاب بجملة جميلة وهى فى نعمة ولله الحمد .
ووجه نفس السؤال لى ولكنى لم أجب مثله بل قلت بأخبط فى الدنيا وبتخبط فىٓ. ضحك ضحكته الطيبة وقال خلق الانسان فى كبد .تذكرت السيدة التى كانت بصحبته وسألته من كانت معك ومامرضها ؟
قال لى وكله محبة هى من وهبتنى الحياة . ولاننى قد لاحظت انها غير سوية وملامحها تقول ذلك فصمتت ليقول لى .. تلك السيدة تصنف بالمتخلفين عقليا تزوجها ابى لغرض فى نفس عائلته لأنها ابنة عمه الثرى ولكنه لم يستطع أن يستكمل معها عاما واحدا ولاحتى شهورا فبمجرد أن حملت تركها وترك البلد كلها وسافر ألى امريكا واستقر هناك وتزوج وانجب . وأنا ربتنى جدتى وتولى جدى وأخوالى الانفاق على وبين الحين والاخر كان يأتى اعمامى لزيارتى وكانت جدتى وجدى لأبى كلما يأتيان لزيارتى يبكيان بكاء حارا جعلنى أهرب عندما يأتيان أو أدعى أى شىء يحول بينى وبين رؤيتهما لأننى كنت أكره الحزن وأخاف من أى دموع تذرف أمامى . عندما اكملت سنواتى العشر ماتت جدتى وبعدها بشهر مات جدى ، ماتت جدتى وهى توصينى على أمى وتمسك بيدى لتقبلها طالبة منى الا اهملها مهما حدث ، وتوليت رعاية نفسى وأمى وكانت المهمه شاقة جدا فى أول الامر لأننى لم أكن أعرف سر تغيرها من حال إلى حال وبعد مضى وقت ايقنت أنها كانت حزينة على فراق امها وأنها تبحث عنها فى كل مكان وبأنها متخيلة أنها تركتها وضاقت منها وبها ، مع مضى وقت ليس بالقليل اعتادت على خدمتى وصارت تنادينى بماما ، وتربت على كتفى وتبتسم حينما ترانى وعندما أخرج للمدرسة وبعدها للجامعة كنت أقول لها أنا سأعود لاتخافى لن اتركك ألا فى حالة واحدة عندما تنادينى السماء فأستجيب فترفع اصبعها إلى الاعلى وتقول مع الله ومعها ، فأجيبها بنعم فتبكى وتقول لا انا سأذهب واقول له انا بدلا عنه ، وكنت أبكى واضمها إلى صدرى وهى تحتضننى حضنا افتقد فيه اعترافها بأننى إبنها ولست ماما كما تنادينى .
كما لاحظتى اننى ايام الجامعة لم اكن اجلس معكم ولادقيقة بعد المحاضرات اللهم اذا للاعداد لابحاث أو مشروع التخرج لاننى كنت اجرى اليها وكلى قلق وخوف عليها . عندما اتممت دراستى بتفوق كما تعلمين ذهبت اليها ابشرها بنجاحى ومعى علبة كبيرة من الحلوى كانت تفضلها وجلست بجوارها ابشرها بأننى نجحت وأطعمها من الحلوى وهى سعيدة وتضع فى فمى من الحلوى مثلما أضع لها .وتطلب منى أن نذهب عند الصائغ وتشير إلى حافظة بجوارها مليئة بأموال تركتها أمها رحمها الله واستجيب لطلبها ونذهب إلى الصائغ جارنا محله ملاصق بعمارتنا وتشير إلى مصاغ هنا وهنا والى خاتمين ففهمت أنها تريد ان اتزوج اشتريت كل مااختارته واشتريت لها حليا لاحظت أنها اعجبتها وعدنا الى المنزل ، وانشأت شركة كبيرة من الاموال التى تركها جدى وجدتى لى ، واستطعت بعلاقات اسرتى ومجدهم المحفوظ أن أضع إسمى بجوار أسماء المشاهير فى هذا الحقل ، تزوجت من فتاة أحبت أمى قبلى فقد مرضت ولم أذهب الى العمل وكانت تعمل فى شركتى وكلما تسأل يقولون لها مدير العمل ومن حقه التغيب كيف يشاء ولكنها كما حكت لى فيما بعد استشفت شيئا غير مطمئن جعلها تستقل عربتها وتأتى لزيارتى وفتحت لها امى وكنت محموما وقالت لها :
ماما نايمة بالداخل مبتاكلش ولابتشرب ، واخذتها من يدها لتجدنى أنا من تسميها ماما ، على مدى أسبوع كامل عادتنى حتى شفيت ولله الحمد وبعدها بشهور واظبت على زيارتنا وتحرص على ألا أكون موجودا وتقوم بعمل كل شىء فى المنزل واعلاه رعاية امى .
تزوجتها وأنا على يقين أنها الزوجة الصالحة وقدكانت انجبت منها ثلاثة ابناء زادوا من سعادتى سعادات مضافة .
هل تذكرى يوم ان رأيتك فى العيادة كنت اكشف علي أمي فقد ذبلت فجأة واعرضت عن الطعام وزوجتى واولادى احزنهم ذلك وحاولت معها كثيرا ولكنها ترفض وعند الطبيب الذى كشف عليها واخبرنى انها متاعب عمرية وان كبار السن فى الغالب يزهدون فى الطعام ووجه كلامه اليها تاكلى ياحاجه ومحمد إبنك يوديكى الملاهى ولا تتسوقوا وتشترى اللى تحبيه ؟
ضحكت بصوت عالى وقالت لا ماما تودينى الكعبة اروح الكعبة آكل كتير واضحك..
اجبتها على الفور تروح الكعبة بس تاكلى . نظر لى الطبيب ناصحا وقال هاتلها جليسة تريحك وتريحها !!
ولاادرى لماذا قابلت سؤاله باحتداد وقلت لا الا الجليسة امى لاتعرف الشكوى ولاتعرف غير وجوهنا فكيف احضر لها من لاتستطيع امى ان تشكو عما فعلته بها .
فضحك وقال هى اصلا مش فارق معاها لانها مش عارفاك ولاعارفة انك ابنها .. وساعتها قمت واخذت بيدها وقلت له ولكننى اعرفها واعرف انها امى الايكفى هذا!!!!!!
ونظر لى وقال انا الان اعد العدة لسفرى انا وهى لاداء العمرة ولذا حرصت على ان اسلم عليكى قبل سفرى واطلب منك الدعاء لامى .