لم يكن احمد يعلم انها كانت بهذا القدر من التعالى والتكبر وانها تتجاهله ؛ فرغم كل محاولاته للتقرب منها والتودد اليها كان ردها غريبا مثيرا للتساؤل والاستغراب .
كانت منى زميلته فى العمل ومنذ ان رآها وسكن سهم كيوبيد قلبه وخفق بحبها وارتعش ، كانت جميلة الى ابعد الحدود وكل من يراها يسجد فى محراب جمالها وكان هو ممن اسرهم كل شىء فيها وجمالها كان جزءا من هذا البحر الغارق هو فيه .
لم يكن هو الاخر بقليل الحظ من الجمال الرجولى الاخاذ الذى يزيده سمرة وجهه وقوامه الممشوق واضف على كل ذلك اخلاقه العاليه وحرصه الزائد على مشاعر كل من حوله والتزامه بان يكون ضيفا خفيفا على كل من حوله مما جعل رصيده فى العمل بين الزملاء والرؤساء يزداد ويتضخم …
الا منى لم تحرك ساكنا ، كانت تتعامل معه بمنتهى اللامبالاة واللا اهمية مما زاد من حيرته وقلقه تخوفا ان تكون مرتبطة بغيره …
عام مضى وهو كاظما ومتحملا ولكن فاض الكيل بما فيه واستجمع قوته واعترف لها بحبه وبأنه لايريد من الدنيا الا هى ؛ وكان ردها بالموافقة وبتحديد موعد لمقابلة اهلها وتم المراد من رب العباد والتقى باهلها واتفق معهم على كل وتزوجته وانتقلت الى عش الزوجية البسيط الذى ملأه حبا واهتماما بها ولكنها لم تكن كما كان يريد ان تكون …..
فقد لاحظ جفوتها وعزوفها ووحدتها ، قال لنفسه ربما انه لم يتقرب اليها بما يكفى قبل الزواج فقد كانت فترة الخطوبة قصيرة لم تستكمل اربعة اشهر ، ولكنه وجد حائطا منها كلما حاول ان يتقرب يبتعد من شدتها وحزمها وصمتها ….
حملت منه وانجبت فتاة جميلة مثلها وبعدها عزفت عنه كلية واصبحت تتعمد اظهار جفوتها له امام كل الناس بل انها صارت تعيش وكأنه ليس موجودا من الاساس ؛ واصبحت تعيش مع ابنتها فقط تختصها بكل شىء ومع الوقت زادت من عزلتها وطلبت من زوجها الطلاق والاحتفاظ بابنتها مقابل تنازلها عن كافة حقوقها حتى الشقة ستتنازل عنها ….
اشتاط غيظا وسألها عن السبب فجاءت اجابتها وهى تبكى وتنتفض وتقول له انها لاتريد ان تعيد مأساة امها وتنتظر معه الى ان يكبر ويرميها هى واولادها تحت مسميات كثيرة اهمها انها صارت عجوزا وبانه يريد ان يرتبط بفتاة صغيرة تنعش عمره وتزيده حيوية لا أن يكمل عمره مع عجوز يقتصر عمره معها على الحديث عن الماضى بفقره وتعبه وجهاده ويكون يومه مثل ليله يناولها الادوية ويراقب حركتها وهى تستند الى الحوائط ؛ صمتت قليلا واستكملت بكاءها وحديثها وقالت نحن ثلاثة فتيات وولدين قرروا كلهم الا يصلوا فى زواجهم لمثل يوم ركل ابيهم لامهم وهى فى منتصف عمرها ، ولولا رغبتهم بان يصبحوا امهات كانوا عزفوا عن الزواج وظلوا بلا زواج الى الابد .
نظر اليها طويلا ولم يصدق ماتطلبه وحاول ان يطمئنها بأنه ليس كأبيها وانه يحبها ولايريد من الدنيا الا هى؛ ولكنها هاجمته واكدت انها لاتأمن لاى رجل وضحكت بهيستريا وقالت له : انا واخواتى هنقعد فى الشقة اللى ماما فيها كل واحدة معاها ابنها او ابنتها وطبعا خلاص مش هنتجوز تانى فلو حضرتك فضلت لغاية مرحلة انى كبرت والسن مش مهم عندك هتلاقينى زى ماانا مع بنتك وممكن ساعتها تغير تفكيرى ومبادئى ومش بعيد خالص انى ارجعلك واكمل معاك وألعن ابويا الف لعنة زى مبلعنه كل ثانيه من يوم مارمى امى واصابها بالمرض واصبحت جثة هامدة لايتحرك فيها سوى عينيها الباكيتان ولسانها المحتسب على ابى ذلك الظالم الذى سلبنا امنا وحرمنا منها رغم كونها على قيد الحياة ….