لم تكن تدرى ماسيأتى به الغد فقد كانت تعيش ببراءتها وطيبة قلبها ولاتدخر اية حسابات لشمس اليوم القادم ، بسمة كان اسمها الذى لايمت بصلة الى مستقبلها الذى انتزع منها كل معانى السعادة .
هى ابنة ضمن اربع بنات رزق بهن الاب واخ وحيد وتحتضنهم اما ترتبط لبدء الخلق والخليقة بكل الصفات والمعانى . وكشأن كل الاسر المصرية التى تنجب اناثا كانت اسرة بسمة فقد نشأن على ان يكن رجالا فى كل تحركاتهم وحتى طريقة الكلام كانت خشنة لاتحتمل التأويل ولا اية معانى غير معناها الذى خرجت من اجله .
واحدة وراء الثانية تزوجن وجاء دور البسمة فاشترطت ان تتزوج زواجا غير تقليدى وان تحب وتعيش قصة حب تهتز لها اركان حياتها كلها ، وكان لها ماارادت والتقت به فى اول يوم عمل لها فى وزارة الخارجية اصطدمت به وهى تجرى لتؤكد حضورها فى موعدها وموعد العمل الرسمى ، اوقعت ماكان يحمله من اوراق فاعتذرت له على عجالة ولم تلتفت اليه ولكنها شعرت بشى ما يشدها اليه وعندما همت بالنظر اليه وجدت كثيرمن الموظفين محاطين به وكل منهم يلتقط ورقة من ورقه المبعثر، لم تفهم سبب هذا السلوك ولكنها نظرت الى عينيه وخفق قلبها لاول مرة.
وعرفت بعدها كل شىء عنه واحبته حبا جعلها لاتفكر الا فيه ولاترتضى الا هو ، وتقدم اليها بعد عام من هذا اللقاء العبثى وتزوجته بعد عام آخر وعاشت معه عدة سنوات فى غيب عن واقعه ومضت بها السنوات وانجبت منه ثلاثة ابناء وكلما علمت شىء عنه يجعلها تبعد كانت تنأى بهذا السبب بعيدا وتمنى نفسها بغد يهدأ فيه حبيبها وينضج ويعوضها عن كل شىء كان يفسد علاقتها به ، وتزيد فى احلامها فتحلم اكثر واكثر بأن يغدق عليها من الخير الذى كانت سببا رئيسيا فيه بدعمها له ووقوفها بجانبه ولما اعطاه الله له اختصه هو لنفسه وذويه ونسيها تماما، لم تكن مستاءة من اى شىء يفعله فهى تسامح وتعفو وتنتظر لعل الله يحدث بعد ذلك امرا ، ولم يحدث ماتمنته وتبدلت الدنيا وتغير واقعها من سيء لاسوأ فقد مرضت مرضا عضالا واصبح لاحول لها ولاقوة واختفى هو من حياتها وكلما سألت عليه جاءت الاجابات ملتوية وغير واضحة ، رحلة مرضها استغرقت سبع سنوات ذاقت فيهم الامرين وتحمل اولادها واهلها العذاب وكل انواع العناء ولكن شفاءها جعلهم ينسون كل السنين المؤلمة التى كانوا فيها يتمنون مجرد ان يقول لهم اى طبيب من الطاقم المعالج ان هناك امل فى الشفاء .
عادت بيتها واستعادت عافيتها وقدرتها على ادارة المكان كما كانت تفعل طول عمرها ، وسألت اولادها عنه ، وبعد كر وفر منهم اجابوها بأنه انتقل الى شقة اخرى يعيش فيها ، فبادرتهم بقولها وهل كان متواصلا معكم ؟
اجابوا بنعم لتكمل سؤالها بالاستفسار لماذا لم يسأل عنها ولم يتحمل مع اهلها مصاريف مرضها التى تخطت عشرات الالاف ؟
فيصمت الابناء وتكون اجابتهم برفض ابيهم كل شىء يمت لامهم بصلة ، حتى السؤال عنها لم يكن يحدث لدرجة انهم سألوه عن السبب وكانت اجابته بأنه شاط غضبا وطلب منهم الا يتحدثوا عنها ابدا فى وجوده ، وحينما اعترض ابنه الاكبر وطلب منه تقديم سبب مقنع لهذا السلوك حتى لايصدق مايقال من ان ابيه تخلى عن امهم فى شدتها ، ماكان من الاب الا ان صفعه صفعة تركت له اذنا لايسمع بها حتى الان واحدثت قطيعة بينه وبين ابيه ليوم الدين كما قال الاب حينها وعزم عليه الابن ، وحتى هذه اللحظة..
بعد هذا اليوم كانت بسمة تتساءل بينها وبين نفسها عن سبب مقنع لما فعله هذا الزوج ، وكانت فى احايين كثيرة تلوم نفسها وتقول ربما غيرتى الزائدة عليه كانت السبب ، واحيان اخرى تقول ربما كونى تركت له الحابل على النابل ففسر ذلك بعدم الاهتمام به وجعله ينفر منى ، كانت تمضى نهارها وليلها تسأل نفسها وتجيبها وتزداد مرارتها مرا على مر مااصبحت فيه ويقطع ذلك القلق بشرى ابنها بانه قد حجز لها لتحج ، وتستقبل دعوته بسعادة غريبة، وتسافر فى رحلة يختار الرحمن عباده الملبين الطائفين ، وبينما تؤدى مناسك حجها وحينما تطوف تجده بين الملبين فتبعد ناظريها عنه مع انها كانت تريد ان تنظر اليه مرارا وتكرارا ولاتدرى سبب مافعلته هل لكونها فى مكان مقدس والاجابة بلا طبعا فهو زوجها وان بعد عنها سنوات ، هل تخشى المواجهة ربما ، ولكنها كانت تسأل نفسها هل رآها كما رأته !!
فى يوم من ايام الحج التقت به وجها لوجه وسلم عليها وعندما وجد نظرات المحيطين ترفض السلام باليد فسر للناظرين انها زوجته ولم ينتظر ردة فعلهم ، اصطحبها وهى لاتبدى اى فعل ولاردة فعل فقط تمضى معه وجلس بها فى مكان استراحة امام المخيمات المعدة لاهل الله ، وقال لها هل تصدقينى اذا قلت لكى اننى لااستطيع ان اراكى مريضة ؟
لم ترد عليه ، فاستكمل وقال انا تعاملت معكى حينها على انك قد انتهيتى ، بل اعتبرتك ميتة وعليه رفضت ان يحدثنى اى مخلوق عنكى بل انى رفضت مبدأ ان اصرف على مرضك فكيف لميت ان ننفق عليه ..
وصمت وقال لها ان استطعتى ان تسامحينى فافعليها وان لم تستطيعى فلتفعلى ماتشاءين ، ابتعدت عنه وقالت وهى تضحك .. الظالمون لايعنيهم من يسامحهم ومن يدعو عليهم فهو اموات فى انتظار البعث ، وانت على رأس الظالمين وسأعيش انتظر نهايتك ، وتبسمت اكثر وقالت له انت لاتعلم اننى الان قد عادت لى راحة بالى وصارت حياتى منذ الان فى خانة انتظار لما ستأتى به الايام ..