فى عزلة تامة اجبرت نفسها على ان تعيشها ربما خوفا من البشر وغدرهم وربما رغبة منها بالابتعاد عن صخب الحياة وضجيجها فقد اختارت العيش فى شلاتين تلك البقعة من ارض مصر البعيدة كل البعد عن كل مايجرى فى مصر .
فى هذا المكان البكر عاشت منى سنوات شبابها بقبولها استلام العمل كاخصائية اجتماعية للمدرسة الوحيدة هناك والتى كان يقوم الناظر صباحا بنفسه بطرق باب تلاميذ مدرسة العشرة ليأخذهم معه الى المدرسة لانه ان لم يفعل ذلك فلن تكون هناك حصص ولايوم دراسى من الاساس.
فى بادىء الامر لم يكن وجود منى امرا سهلا لاختلاف الثقافة الفكرية واستيعاب ان تعيش فتاة بمفردها بعيدة عن اهلها ومع اناس عدوا نفسهم اغراب بالنسبة لها ولاى تفكير مخالف لفكرهم الذى يقضى بان البنت لاتغادر بيت ابيها الا فى حالتين الزواج والانتقال الى العالم الاخر الأبدي …
مع الوقت استطاعت منى كسر جزء من هذه القيود الاجتماعية واصبحت قريبة من اهل البلدة ومشاركة لهم فى كافة المناسبات والافراح والليالى الملاح والاحزان والفراق.
ثلاثة اعوام ومنى لم تغادر شلاتين حتى فى الاجازات لم تسافر الى اهلها متغاضية نظرات الاستغراب من اهل شلاتين وتساؤلاتهم المكتومة وربما المعلنة عن سبب عدم سفرها فى العطلات لاهلها …
لم تكن منى تريد ان تفتح على نفسها بابا للحزن بالسفر الى بيت والديها فى السكاكينى وتفتح ابواب عمرها الذى عاشته هناك فى ظل اهلها الطيبين واسرتها الحنونة ففى هذا البيت العتيق المتوارث من الجدود الى الاحفاد عاشت اجمل سنين عمرها من الطفولة وحتى تخرجها من الجامعة ولانها وحيدة والديها فقد تربعت على عرش حبهما ، كانت منذ نعومة اظافرها وهى تشاهد اباها يقوم بحفر جزء من اجزاء هذا البيت ليلا وعندما ينتهى يقوم بتغطية ماتم حفره وتساعده امها فى عمله وهما سعيدان بما تم انجازه وتسمعهما وهما يتحدثان عن الكنز القابع فى بطن الارض وبأنهما اوشكا على استخراجه ، سنوات عديدة وهى تسمع وترى نفس المشهد مع اضافة توصيات الابوين الا تقص ماتراه وتسمعه على اى شخص فى الدنيا لان ذلك سيكون له عواقب سيئة على ابويها .
فى احدى الليالى استيقظت على فرحة ابيها ومحاولة امها ان تزغرد لولا نهر ابيها لها موضحا لها ان ذلك سيجعل اهل المنطقة يعرفون مايخفونه من زمن وهاهى ترى اباها وهو يخرج من الحفرة العميقة ومعه صندوق ويفتحه امامها وامام امها ليروا مافيه من ذهب والماظ وعملات من زمن بعيد .
سعادة منى وامها لم توقف والديها عن مواصلة حفره لانه يعلم حسبما سمع وعرف ان هناك المزيد لان مجوهرات عائلة السكاكينى باشا كلها مدفونة فى باطن البيت وفقما حكت له امه التى كانت مقربة من زوجة السكاكينى وشهدت معها احداث الغدر بها وبعائلتها من قبل الخديوى وعندما علموا بانه سيلقى القبض عليهم ويتحفظ على ممتلكاتهم دفنوا كل مايملكون فى باطن ارض هذا البيت العتيق الذى اشتراه جده وتوارثه الاحفاد حتى وصل الى ابو منى .
نزل ابوها ليكمل حفره ولم يخرج فقد انهار عليه المكان ومات هو وامها ونجت هى بصندوقها الذى احضرته معها الى شلاتين وكل يوم تلقى عليه نظرة وربما نظرات وتعيده الى مكانه وكلها حيرة وقلق من مصيرها مع هذا الصندوق .