منذ صغرى وانا اسمع اسمه فى بيتنا على لسان ابى رحمه الله ودوما يوصى عليه بالخير وعندما يأتى كان ابى يحسن ضيافته وامى تحضر مالذ وطاب من اجله هو وزوجته وولديه . عم شديد وهذا كان اسمه اسمر اللون يشبه اهل النوبه وقنا وكذلك زوجته اما ابنيهما فقد كانا مزيجا من السمار والخمرية مع لون عيون تميل الى الخضرة جعلتهما اقرب مايكون الى الجمال الاوربى المتزاوج بين ابيض واسود . عشت عمرى كله وانا معتادة على اسرة شديد تجىء وتروح علينا مع قليل من اسرتى برد الزيارة لاسباب لم اعرفها وان كانت كلها تندرج تحت عبارات ان ابى كان اكبر سنا وعليه فقد كان عم شديد حريص على عدم ارهاق ابى بزيارته .
ومع الايام وكبر عم شديد وبعد مايقرب من ربع قرن زواج تغير عم شديد مع اسرته وبخاصة زوجته الست الطيبة كما كنت اراها ويراها كل اسرتى وجيرانها ، فى يوم وجدتها تبكى امام ابى رحمه الله ولاول مرة ارى دموعها وألمح كسرة نفسها وتضرعها لابى بأن يعرف سر تغير عم شديد عنها وزهده فيها وسمعتها تقول لابى وكلها كسوف بأنها تسترضيه بكل الطرق وهو يتهرب منها وينهرها وينفر ، لم افهم مغزى كلامها ولكنى وجدت امى تربت عليها وتمسح دموعها وسمعت ابى يطمئنها ويؤكد لها انها واهمة وبأن زوجها لايوجد فى حياته سواها ، وعندما همت بالعودة الى بيتها اكد لها ابى انه سيصلح كل شىء . وبالفعل حاول ابى جاهدا ان يصلح ماافسده الزمن من تغير قلب عم شديد عن زوجه وزهده فيها ونفوره منها وبعده عنها ولكن ابى فشل وقال لامى .. شديد كبر وخاب وشيطانه زين له الشر على انه خير ، ربنا يلطف بمراته الست الغلبانه .. وبعدها بفترة زمنية قد تكون قصيرة او طويلة لااستطيع تحديدها تزوج عم شديد من فتاة تصغره بعشرات الاعوام ومن جبروته بنى لها شقة فى نفس البيت واصبح داخلا خارجا وهى معه وامام زوجته التى لم تتحمل وجع ماتراه وتسمعه ليل نهار تضيف اليه عذابها بأنها لم تسىء اليه ليفعل بها مافعله وهى فى هذه السن واصبحت كثيرة البكاء راغبة فى الوحدة تذرف دموعا وتنتحب ليل نهار وابنيها حزينان عليها ايما حزن . ولم تعش مراة عم شديد كثيرا فقد اعتصرها الحزن وجعلها شبحا وامتص كل معانى الحياة لديها وماتت وهى تحتسب بالله على شديد وتطلب من الله ان يقتص لها منه دنيا وآخرة . بوفاة ام الاولاد تنمرا الابنان لابيهما وخاصة الابنة فقد اظهرت لابيها كل معانى الكراهية وحرمته منها بكافة الطرق وكلما تذكرت عذاب امها كلما امعنت فى تعذيبه وتذكيره بغدره بامها ورميه لها وعدم صون العشرة والعيش والملح وصبرها عليه ووقوفها بجواره .
اما الابن فقد اصبح حزينا صامتا وكأنه اصبح حجرا او ماشابه ، تمضى الدنيا بالاسرة تتزوج الابنة وتفشل وتعود الى بيت ابيها بابنة ..والابن يتزوج من امرأة على غير دينه وكان لها اولاد وتكبره فى السن وينجب منها كثير من الابناء والبنات ويغترب بها بمشروع الاستصلاح الزراعى الذى مكنه من الحصول على عشرة فدادين فى الصالحية .
عم شديد يعيش مع زوجته وينجب منها ابنة غير معافاة صحيا وتزيد الحياة من وقعها الاليم عليه وتظهر عليه الزوجة الشابة جبروتها وسطوتها وتسلبه كل مايملك وتتركه ذليلا ويراه الناس امام البيت جالسا مناديا عليها زوجته الاولى طالبا منها السماح وتارة يسمعونه يصرخ واخرى يضحك ووسط كل هذا تبكى ابنته كمدا لان امها ليست معها لترى كيف عاقب الله من احزنها وكسر نفسها وانتزع ابتسامتها وجرد منها الحياة .