يوما سألها بماذا تصفينى فقالت له انت صانع الاحزان بلا منازع . وصفها كان صادما له فقد كان يتوقع اى وصف اخر الا ان تختصه بأنه صانع الاحزان .
تركها وعاد الى محبسه الذى ارتضاه لنفسه منذ ربع قرن ان لم يكن اكثر ، تذكر اليوم الذى قرر فيه ان يترك البيت والا يعود اليه ابدا على الرغم من بكاء اولاده وترجى زوجته له الا يتركها والاهم ان يطلعها عن سبب هجره وحنقه عليها وكراهيته لها ، لم يستجب لاى من الطرفين فلم يرح ابناءه ويعود اليهم ولم يطلع زوجته عن سبب رغبته فى البعد عنها مع انه يعلم السبب وبأنها لاتتحمل وحدها تداعيات قراره فهى جزء من كل الاشياء التى تناديه وتطلب منه ان يعيش الحياة بكل مافيها وتطلب منه ان ينهل من مفهوم الحرية وفض يده من المسؤلية وابتعاده عن روتين الحياة الزوجية المقرف والنوم والاستيقاظ على نفس الوتيرة..
(كنت فين ؟ جاى منين ؟ طبعا كنت مع واحده تانيه ؟ متكدبش انا متأكده من خيانتك وعندى ادلتى ..
هات وانت جاى عشا ..
هات فينو ولانشون للولاد عشان المدرسه..
ابنك تعبان ..
بنتك كبرت وعرفت انها بتحب زميلها اعمل معاها ايه؟ الفلوس مش كفايه زود المصروف ليا ولولادك ..
انت متجاهلنى ؟
انت بتحب اهلك اكتر منى ومن اهلى؟
انت ناسى دايما كل اللى يهمنى ؟ نسيت عيد ميلادى وعيد جوازنا ؟ العيشه معاك صارت متعبه ؟ بجد زهقت ؟ مفيش اهتمام خالص ؟ عاوزين نسافر ؟ المصيف ع الابواب ؟ الهدوم الشتوى هنجيبها امته؟……)
لم يعد يستطيع ان يستكمل حياته بهذه الطريقة واعطى لنفسه اسباب ومبررات يقنع بها كل من يحاول ان يثنيه عن قراره ويسعى لاعادة المياه الى مجاريها فيعيدهم من حيث اتوا ، وتستمر حياته مقاطعا البيت وصاحبته ولكن صلته باولاده متصلة فى نطاق تلبية المطالب التعليمية وتوفير حياة مستقبلية للاولاد منهم والبنات ..
الى ان جاء ذلك اليوم وهو يلتقى بابنته الكبرى زهرة عمره كله وهى الان دكتورة مشهورة ويفخر بها فى اى مكان وزمان وعندما يشاهدها على التلفاز فى برنامجها الثابت على احدى الفضائيات يطير فرحا ويخبر كل من فى القهوة التى اعتاد الذهاب اليها يوميا يخبرهم بانها ابنته وان له اخرى مهندسة واخران مرشدان سياحيان كرمهما الوزير مؤخرا لجهودهما فى تنشيط السياحة واعلاء اسم مصر .
عندما خلا بنفسه واسترجع ماقالته ابنته بكى كما لو كان طفلا ماتت امه ولم يعد له فى الدنيا من يحنو عليه ، هدأ من نفسه ولكنه يريد ان يعلم سبب هذه التسمية فانتزع هاتفه من جيب احد الجواكت المعلقة امامه فى الدولاب وطلبها وكله حزن وقال لها فور ان اجابته: ليه قلتى عليا كده انا مقصرتش معاكى لا انتى ولا اخواتك فى اى حاجه ..
طول عمرى بعمل المستحيل عشانكم ازاى تقول عليا انى صانع الاحزان بدل متوصفينى بنبع السعادة .
لم تجبه ولكنه سمع صوت نحيبها يرتفع وتبلغه من بينه بأنها ستأتى اليه حالا .
بعد ساعة بالتمام فتحت بابه ودخلت وخدودها متورمة وعيناها منتفختان من كثرة البكاء ، جلست امامه وقالت له لاتحزن ياابى مما وصفتك به فهذا هو انت فعلا انت صانع الاحزان وامى كتلة الكآبة ، انتما دمرتما حياتى انا واخوتى فأصبحنا منزوعى الاحساس بالامان والحب ؛ منذ ان تركت البيت وكنت حينها مراهقة لم اعى نتائج قرارك حينها ولكن بعد كل يوم مضى بدونك علمت ان حياتى تغيرت فأصبح مطلوب منى ان اتعايش مع بيت بلا اب وان اراعى اخوتى وان اخفف على امى الامها وان اخذ بيدها لتعبر مرحلة احساسها بانها منبوذة وبانها ظلمت منك ، فى هذه الوضعية تركتنى انت ولم تتركنى امى بل زادت من حمولها على واصبح حديثها معى ليل نهار عنك وكيف تعيش ومع من وهل هناك امل فى عودته وهل يسال عنى ويطلب منكم ان تتوسطوا لاعادته الى بيته والى !!؟
هل هو سعيد فى البعد ، هل لايزال يتذكرنى ، هل وهل وهل والف هل لاتفارق فمها يقابلهم الف دمعة امنع نزولها والف اه اكتمها بين ضلوعى والف كذبة اكذب بها عليها لاني على يقين من انك قد نفضت يدك منها وطويتها من حياتك طيا يشبه طى ورقة عديمة الاهمية والقاءها بعيدا وربما فى سلة مهملات حياتك التى لم اكن اريدها ولم اتمناها لك ولى ولاخوتى ولامى .
مع الوقت ومرور السنون لم تعد امى تتكلم عنك ولا تخوض فى اى حديث ذو صلة بك والتزمت الصمت وخاصمت الحياة كلها اصبحت كائن منزلى بكل معنى الكلمة (تطبخ ، تغسل ، تكوى ، تسمع منا وتهون علينا ازماتنا وتنصحنا وتصلى وتصوم وتعتمر وتحج ) اصبحت امى كئيبة حزينة دوما مهما ضحكت او تبسمت اصبحت تشعر بالاهانة الشعورية ومع ذلك تسعى لان تؤدي دورها فى الحياة على اكمل وجه .
وتسألنى الان لما وصفتك بصانع الاحزان ؟
صدقنى انا احبك ولكن بالفعل هذا ماصنعته بى ومعى سامحك الله انت وامى …