عم احمد كان رجلا طيبا ملامحه تؤكد لك مدى رضاءه وصبره فهو حاصل على بكالوريوس خدمة اجتماعية وسدت امامه كل الوظائف وارتضى بأن يعمل فى هيئة النظافة ..كل ادواته مكنسة من القدم ورداء يتغير مع موسمى الحياة المصريين الخالصين صيفا وشتاء . عم احمد نزح من بنى سويف منذ زمن بعيد واستقر به المقام فى العاصمة الساحرة وان لم ينل من سحرها سوى ماتقع عليه عينيه حينما يكنس شوارع المحروسة
ويرى من شعبها العجب العجاب .
عشرين عاما قضاهم عم احمد متنقلا من اماكن متفرقة بحكم من رئيسه فى العمل ليعود الى مقراقامته فى امبابة حيث الجيرة التى تتقارب معه فى كل شىء .
عندما قرر احمد ان يتزوج اختارها من بلده وأتى بها الى القاهرة فتاة صغيرة مليحة كما كان يراها راضية بكل شىء مادام هو معها فقد تعلقت به وصار هو كل مالديها لانها كانت يتيمة بلا اهل سوى خال لها فقير ولكنه غنى القلب والمشاعر يسأل عنها ويزورها اذا تيسرت له الاحوال .
عم احمد لم ينجب لفترة طويلة بسبب يتعلق بزوجته ولم يخبرها حتى لاتحزن وكان يقول لها ان الطبيب اكد له انه السبب وانها حرة فى الاستمرار معه او العودة الى خالها والزواج من اخر يملأ لها الدنيا بنينا وبناتا ؛ كانت تحزن حينما يقول لها تلك الكلمات وترد بأنه ابنها وابيها واخيها وكل مالديها .
بعد سنوات حملت الزوجة وفرحت جدا ولكنها بكت كثيرا عندما قال لها الطبيب الحقيقة وبأن العلاج الطويل وبالطبع قدرة الله جعلتكى تحملين ، وعندما سألته الم يكن العيب من زوجى فنفى وقال لها هو اراد ان يجعلكى تتأكدين انه السبب حتى لاتحزنى . عندما رأت احمد ارتمت على الارض لتقبل قدميه ولكنه انحنى بسرعة ليرفعها اليه ويقبل رأسها ويديها ويطمأنها انها فى قلبه متربعة بأولاد وبدونهم .
تمضى شهور الحمل سريعة وتنجب ابنة جميلة يصر احمد ان يسميها ست الدنيا وتضحك زوجته من الاسم وتحبه لانه اختيار من اهدى اليها الدنيا كلها . تصبح ست الدنيا امل ابويها وفى السنة الخامسة من عمرها تمزض امها مرضا عضالا لاتشفى منه وتنتقل بجوار ربها ويصبح عم احمد وحيدا حزينا ليس له فى هذا العالم الا ابنته التى يعيش لها وبها يصحبها معه فى كل مكان حتى فى المدرسة يظل منتظرا اياها امام الباب حتى تنتهى من يومها الدراسى ويعود بها ، ايام عمله كلها ليلا وفى النهار ينظم وقته بينها وبين البيت ، يرفض الزواج حتى لاتأتى زوجة اب تنغص حياة ست الدنيا وست ابوها وريحة الغالية التى لاينساها ، تكبر بنته ويكبر معها كل شىء حبه وامله وامانيه لها وبها وفيها . وفى يوم من ايام عمره الحزين تداهمه نوبة من الكحة تتبع بقطرات دماء مبعثرة على جلبابه يخفيها بالماء الكثير حتى لاتراها ابنته الطبيبة حينما تعود من عملها لتحتضنه كما تعودت وتعود هو ؛ يزداد المه ويخاف عليها من التألم فيذهب الى احدى المستشفيات التابعة لعمله ويخبره الطبيب ان ماتبقى له قليل فيطلب منه ان يحتجزه فى المستشفى ولايخبر احد ويعطيه ورقة يسلمها لمن رقمها واسمها فيها .. وبعد ايام معدودة قضتها فى البحث والبكاء والحزن والقلق يدق هاتفها ويخبرها المتصل بأن تأتى لتتسلم جثمان ابيها وتهرع الى حيث المكان ويعطيها الطبيب ورقة مكتوب فيها لم ارد ان ارى دمعك، لم احب فى حياتى بعد امى سوى امك وانتى ست الدنيا.