فى الخامسة عشرة من عمرها سألت هيام أباها ؛ يعنى ايه يابابا بنت حرام ؟
انتفض الأب من سؤال إبنته وبادرها بالاستفسار عن السبب فى هذا السؤال ، فأجابته بأن جدتها قالت لها ذلك .
إستجمع الأب رباطة جأشه وقال لها : أنت عارفه جدتك كبرت فى السن وأكيد زلة لسان لأن الجمله ديه شتيمه وحشه أوى ، وأكيد تيتا ماقصدتش معناها .
عاد الى غرفته وعادت معه الذاكرة لسنوات عمر ابنته الوحيدة هيام ؛ والتى كانت ثمرة حب جارف لجارته عديلة ، جميلة منطقته العجوزة ، وتذكر أيضا الماضى الجميل ، والحب الذى أخذ لبه وجعله أسيرا لهواها ؛ وكيف تطور هذا الحب وهو لايزال فى السنة الثانية من الجامعة وأثمر عن هذه النبتة الجميلة هيام ، وتذكر الحرب التى دارت بينه وبين حبيبته لتهدئتها وتطمينها بأنه يحبها وسيتزوجها ولن يتخلى عنها ، وتذكر ايضا يوم ان أخذ معه أمه طارقا باب اهل عديلة ليطلبها منهم ، ورفضهم له لانه لايزال طالبا ، وهى ايضا ، وانهم يفضلون الانتظار حتى ينهى تعليمه ويحصل على وظيفة ويتم الزواج بعدها ، عبثا حاول ان يقنعهم بأن يتم الزواج الان وبأنه يعمل فى شركة منظفات ويتقاضى راتبا كبيرا يمكنه من الانفاق على ابنتهم ، ورد عليه ابوها رافضا قائلا بهدوء بأن المسألة ليست فقط ماديات ولكنها استعدادات وتحمل والمرحلة الان لاتسمح لك بأن تتحمل اعباء فوق اعباءك الدراسية ، خرج من عندهم حزينا لايدري ماذا يفعل ؟
وجاءته بعدها هى تبكى وتلطم وجهها وتقول له انها ستجهض نفسها حتى لاينفضح امرها وتصبح لبانه فى لسان أهل المنطقة ، ولكنه يرفض ويطلب منها ان يتزوجها ويضع اهلها فى الامر الواقع ، ويذهب لامه ولانه وحيدها فقد اطلعها على المأزق وبانه سيتزوجها وتعيش معه ،توافق الام على مضض وتؤكد له ان الابن القادم ابن حرام لانه ليس وليد فراش الزوجية وتستدل له بما تعرفه من علوم التشريع بوصفها مديرة لاحدى المدارس الازهرية .
تزوج من محبوبته فى سرية تامة قاطعها وقاطعه بعدها اهل عروسته ، ولم تكتمل سعادته طويلا فقد ماتت زوجته وهى تنجب ابنته ، وعلى الرغم من انه اشاع ان ابنته ابنة سبعة اشهر حتى يمحى عن زوجته الراحلة اية شبهات ؛ الا ان عيون الناس كانت تقول غير ذلك ، لم يهتم ووهب نفسه لابنته ورعايتها ، وحصر حياته فى الذكريات مع محبوبته التى ربما كان حزنها من قطيعة اهلها لها سببا فى وفاتها عند الوضع ، ومرت السنوات وزهرة حبه تنضج امامه وتنسيه الام فقد امها وحزنه عليها.
واليوم تسأله ابنته عن كلمة لاتنطبق عليها لانها ابنة حبه وعمره وسعادته ؛ فمايضيرها اذا انجبت فى فراش الزوجية او فراش اخر ؟
فهو تزوج امها منذ ان خفق قلبه بحبها ، وعاهدها امام الله بانه لها وهى له ، ولم ينتظر ان يشهد هذا العهد ورقة يكتبها الناس وتشهد عليها المقرات الحكومية ، لابد ان يذهب لامه ويؤنبها على ماقالته لابنته ؛ ويعنفها ، ويخيرها بين الا تعود لمثل هذا القول ، وبين الاستمرار فى العيش معها هو وابنته ، والانتقال لسكن آخر .
استجمع قوته ولم يطرق حتى باب غرفة أمه وفتحه بعنف ، ووقف امام فراشها وهو يقول لها ، وبصوت عال لم يتفوه بمثله طيلة عمره : ماما هيام قالتلى انك قلتلها انك بنت حرام ، وانا مش هسمحلك اطلاقا بأنك تكونى سبب فى زعل بنتى الوحيدة ، وكمان بحذرك ، متزعليش منى لو عرفت انك قلتى ليها كده تانى انى هاخدها وامشى واعيش فى سكن تانى ، وكمان ياماما ميصحش تفتحى عين البنت على حاجات وحشه زى اللى قلتيها ليها ، والاهم من ده كله ان انا ابوها وده المهم مش المهم خلفتها فين وازاى .
انهى كلامه وانتظر ردها كما اعتاد عندما كان يحدثها وهى فى سريرها وعندما ينتهى تعتدل فى جلستها ويأتى ردها اما مدحا واما قدحا ، ولم ترد ، ولم تقم من سريرها ، فاستكمل كلامه وقال لها : بصى ده قرار مش هرجع فيه مهما كان حبى ليكى ! ولم ترد ايضا ، فاقترب منها وقال لها وهو يرتجف : ماما انا بكلمك ، ردى عليا ، لا ياماما انتى فهمتيني غلط ، انا بهزر ياماما ، هو انا اقدر اسيبك ، وابعد عنك ، انا بس بخوفك عشان متقوليش لهيام كلام يزعلها وهى مش مسؤله عنه، ماما ردى ردى ياماما ردى .
ولم ترد عليه وتركته مع ابنته التى كانت تقف وراءه وتسمع كل ماقاله لجدتها .