كل يوم تسمع اباها وهو يردد الاية الكريمة« وماظلمناهم ولكن كانوا انفسهم يظلمون» ولاتعلم معناها ولكنها تحدث فى نفسها وقعا يجعلها تتساءل كيف يظلم الانسان نفسه ، ولصغر سنها لم تسأل عن المعنى وتمر بها الاعوام وتنضج وتسأل اباها عن التفسير ويشرح لها وتستمع له وتتأكد من ان الانسان قادر على ظلم نفسه بأسباب عدة اهمها الابتعاد عن الله والسقوط فى المحرمات، فأخذت على نفسها عهدا الا تظلم نفسها وسارت على نهج مستقيم فى الحياة دعمتها فيه امها تلك السيدة العريقة الاصل والتى تنتمى لاصول غير مصرية خالصة فقد كان ابوها مصريا وامها تركية يقولون انها وقعت فى غرام ابيها الذى كان يدرس فى انقرة والتقى بأمها فى احد الاسواق ونشب بينهما خلاف توطدت بعده علاقاتهما وعاد من بلاد الاتراك بها زوجة وحبيبة….
انجبتها امها وبعد أقل من عام انجبت اخاها الذى كان يفوقها جمالا جعل كل من يراها ينبهر بهذا الملك الجميل ..
فى جو اسرى مشبع بالحب نمت ايمان واخوها احمد يسمعان فى وقت حين احلى كلام من ابيها لامهما والعكس ايضا، فى يوم عادت ايمان من كليتها تلعن وتسب فاذا بأمها تسالها عن السبب فتشكو لها من احد الجيران الذى يمتلك محلا ولايتركها فى اى وقت دون معاكسات وكلام تخجل عن قوله ، تستقبل امها هذه الشكوى بفتور غريب وتنهر ابنتها وتقول لها : ليه محملة الامر اكتر من حجمه ، الرجل لايأخذ من اى امراه فى الدنيا الا ماتسمح هى به ..
عبثا حاولت ايمان ان تقنع امها بانه يضايقها ولكن امها اصرت على رايها بان التجاهل افضل طريقة لدرء الاذى ، ومضت ايام ليست بالقليلة واذا بايمان تجد هذا الشخص يتحاشاها ويتخوف من مجرد التقاء عينه بعينها فانتابتها حيرة ولكنها حمدت الله على انه بعده عنها ، وبعد مضى وقت تعرف ان امها ذهبت اليه ولقنته درسا لن ينساه ماحيا وعاش .
كانت امهما بمثابة البوصلة التى يستدلون من خلالها الى الصواب والخطأ، ودوما كانت تؤكد لهما ان اباهما هو رمانة حياتها وهو سبب ارتكازها وتركها بلادها واهلها من اجله، لم يدم الحال على ماكان فقد مرض الاب وانقلب بمرضه ميزان البيت كله واصبحت الام فى حالة من الحزن والهلع والخوف من ان تفقد رفيق عمرها فاصبحت تحضر له كل الاطباء وتحضر له اية وصفة تسمعها او تتذكرها قد تشفيه ولكن الاب يأبى ان يستجيب لا للطب ولا الوصفات ويغادر الحياة فى مطلع الخمسين من عمره تاركا اسرة تئن من لوعة الفراق وبخاصة رفيقة عمره ، من اجل ايمان واخيها لملمت الام جراحها وصلبت عودها واستكملت المسيرة ولكن القدر لم يعطها فرصة الاستقرار وانتزع منها ابنها فى حادثة مدوية اثناء عودته هو واصحابه من احدى الرحلات الجامعية التى رفضتها الام ولكنه اصر وقبل يديها وراسها كى توافق مع انها كانت تشعر وهى تسلم عليه بان شيئا ما سيحدث وانها لن ترى ابنها مرة اخرى ، بعد هذا اليوم تغيرت حياة هذه الاسرة كلية فقد تقوقعت الام واعتزلت وصارت صامتة طوال الوقت وكلما حاولت ايمان انتزاعها من حزنها تعود مثلما بدات خالية الوفاض ، كل محاولات الابنة لاسعاد امها تكلل بالفشل لدرجة انها تكتب النكات وتحفظها حتى تقصها على امها كى تنتزع منها ضحكة او حتى ابتسامة ولكن للاسف ملامح امها صارت لاتعرف هذين النوعين من التعابير والاحاسيس ، لجأت الى تعلم فن البلياتشو او المهرج وارتدت ملابسه ولونت وجهها بالوانه وتحركت مثلما يتحرك ولكن هيهات ان تنجح فى الحصول على لحظة سعادة لامها،.
تذكرت الاية التى كانت لاتفارق لسان ابيها رحمه الله وواجهت بها امها مذكرة اياها بان ظلم النفس يمتد ليشمل ماتفعله امها بنفسها وقتل نفسها بالعزلة وبعدم الرضا بقضاء الله وقدره وفى هذه اللحظة تحتد الام وتنطق لاول مرة منذ وفاة ابنها وتقول وهى تبكى وتنتحب : من قال لكى اننى غير راضية وكيف تشعرين بما اشعر به هل تدركين معنى ان تفقدى ابنك ، لقد جربت كل انواع الفقد امى ابى اخى اختى زوجى ولهم طعم قاسى ولكن فقد الابن يحمل كل المرارات وكانك نبتة انتزعت من جذورها ، فقد الاهل الزمان يداويه ويقلل من قسوته بينما فقد الابن الزمن يزيده الما ووجعا ، من قال لكى انى لم احاول ان اتعافى واتناسى ولكنى لااستطيع فقد اخذ معه كل اسباب سعادتى وتركنى فى بقعة مظلمة اتلهف على ذكراه واستنشق عبيره وشذاه ، سامحينى ياابنتى فانا ان كنت ظلمت نفسى فلانى احببتكما وتطلعت لغد اترككما فيه وليس العكس قسوة مابعدها قسوة ان تدفنى ابنك وانت على قيد الحياة…
كان هذالكلام اخر ماتحدثت به امها ولازال عالقا فى ذاكرة ايمان التى تخاف من ان تظلم نفسها وتنجب وتعيش مرارة امها …