فى بيتهم القديم فى حى الجمالية تجد امامك فى كل بقعة وركن نبات الصبار مزروعا فى الحديقة التى تحيط ببيتهم الموروث من جد الجد تجدها منتشرة متغلغلة بين كل انواع المزروعات ، فى شرفة المنزل تجدها ايضا فى اصيص الزرع مشرقة بشوكها وخضار لونها ، فى كل مكان يحرص ابوه على زراعتها والعناية بها والحديث عنها وعن جمالها وعذوبتها ….
سنوات تمضى وحازم لايجرؤ عن سؤال ابيه لفرضه هذه النبتة فرضا عليهم فى كل مكان وركن وعندما سأل امه تلك السيدة الطيبة لم تجبه اجابة مقنعة فقط تساءلت هى الاخرى عن سبب انزعاجه من الصبار وبأنها نبتة جميلة وتعلمنا الصبر والرضا ، وعندما ألح عليها بمعرفة السبب ضحكت وقالت : والله ياابنى عمرى ماسألته بس ادام هو بيحبها يبأه لازم احنا كمان نحبها ونرضيه بكل اللى يرضيه .
حديث امه كان حلوا جميلا كحلاوة طلعها وملامحها التى كانت قادرة على ان تذهب عنه اى هم بمجرد النظر اليها وتجعله سعيدا مهما كانت مشاكله والامه .
حازم كان اكثر اهتماما من اخواته الخمسة بمعرفة اصرار ابيه على الاكثار من زراعة الصبار وجعل بيتهم كما كان يسميه هو بيت الصبار وكان ابوه عندما يسمعه وهو يقول عدت يااهل البيت الى بيت الصبار فكان يعقب على كلامه قائلا : اهلا بعودتك فى بيت الصبار والصابرين ان شاء الله ……
كبر حازم واقترب من الحصول على شهادة البكالوريوس فى الصيدلة وصارت عنده الشجاعة ليسأل اباه ويعرف منه سر هذه النبتة واصراره على زيادة المزروع منها عام تلو الاخر وهاهو حان الميعاد واصبح صيدليا ومعه شهادة نجاحه وفى قلبه فرحة النجاح وعلى استعداد تام لاستقبال التهانى من اسرته والاطلاع فى المقابل على سر الصبار المتغلغل فى بيتهم العتيق .
فور وصوله الى البيت القى نظرة على الحديقة التى تعج بالصبار والذى نبتت فيه ثمرة التين الشوكى لاول مرة منذ زراعته وجعلت شكله جميلا آخاذا وغيرت من شكل الحديقة كلها والتى اكتظت بهذه الثمرة الجميلة الطلة رغم مافيها من اشواك تعلن تحذيرها لمن يقترب منها ، رفع عينيه الى شرفات البيت فوجد الثمرة تعلن بنفسها عن نفسها فى كل مكان نبتت منه زهرة الصبار ، يفتح الباب سعيدا بالمنظر الجمالى الذى احتواه برؤية الصبار طارحا ثمرا ؛ يجرى الى حجرة ابيه وامه وفى جريه اليهما يطرق ابواب غرف اخوته ليعلمهم بنجاحه وحصوله على البكالوريوس فيخرجون اليه سعداء مباركين ليصطحبهم الى غرفة الوالدين ويطرق الباب مرة واثنتان وثلاثة ولكن لايجيب احد ، يرفع صوته ومعه اخوته معلنين نجاحه وتخرج الابن البكر ليفتتح نجاحات اسرة بيت الصبار ، ولايرد ابوه ويعقب وبيت الصابرين ان شاء الله ، يوجه الحديث لامه مداعبا: ياست الكل انا عملت اللى انتى قولتيه ورضيت ابويا واخواتى كمان هيعملوا زيى ويكونوا ناجحين متفوقين عشان نسعدكم ونراضيكم ونرضيكم ….
ويارب ترضوا علينا ؛ ولا تجيب هى ايضا وحينها كان لابد من فتح باب بيت الصبار ليجدوا اهله الاصليين فى ذمة الله الا ان حازم ادرك لماذا كان ابوه حريصا على زراعة الصبار وايضا عرف لماذا طرحت هذه النبتة بعد كل هذه السنوات وكل هذا العمر وكل هذا الصبر من ابويه الراحلين .