كانت زميلته فى الدراسة ووقع فى حبها وهو يعلم أن الفارق الاجتماعي بينهما كبيرا إن لم يكن عظيما ولذلك كتم حبه فى قلبه واصبح كل عالمه منحسر فى المذاكرة حتى يكلل جهده بالنجاح ويصبح امل ارتباطها بها اقل صعوبة .
سنوات الدراسة الخمسة مضت وكأنها حمل على قلبه فهو يراها ويتحدث معها فى كل شىء إلا مايشعر به تجاهها ، تأكله الغيرة عندما تتحدث لغيره ويشتاط غيظا عندما يراها مهتمة بغيره حتى لو كان الاهتمام فى الدراسة والتحاور يجعلها تحظى بمتابعة غيره ، حتى مجرد ثناء اساتذته عليها كان يثيره ويخرجه عن وعيه إلا أنه يتماسك ويسيطر على مشاعره واعصابه ، لم يعد يحتمل أن تكون امامه ولا يبوح لها بما يحمله قلبه من مشاعر تجاهها ، فاض به الكيل وطفح كما يقال واستجمع كل مافى الدنيا من قوة مواجهة واستغل اخر يوم من ايام الامتحانات وأن الكل يضع خطوط لما بعد التخرج واخبرها بحبه لها وطلب منها أن تخبره عما يمثله لها ، ولم يصدق نفسه عندما ردت عليه بأنها تحبه منذ أن رأته وبأنها لولا حياء الانثى بداخلها لصارحته ، وبأن قلقها الا يكون شعورها متبادلا جعلها تتراجع عن المصارحة وتتألم حبا فى نفس الوقت .
سطر هذا اليوم فى تاريخ عمره واصبح هو الاهم وعليه يبنى ماقد يجىء من سنوات اخرى.
دخل بيتها الفخيم فى العجوزة وعرف انها وحيدة ابويها وان ابيها كان سفيرا سابقا رحمه الله وامها سيدة مجتمع وعلى قدر كبير من التواضع الذى يتنافى مع كل ماهى عليه .
ذللت حبيبته كل الصعاب واستطاعت أن تجعل امها تتوسط له ليعمل فى بنك اجنبى ، وبعدها تمكنت من الحصول على شقة باسمه عن طريق معارف ابيها .
اذعنت لمطلبه الاهم وهو الا تعمل فهو كما قال لهايريدها له لوحده ويغار عليها اذا رآها غيره ، لم تقل له لا ابدا كل مايقوله اوامر حتى نصائح امها لها بأن طريقتها ستكلفها الكثيركانت ترفضها وتؤكد لامها انه يحبها ولن يتعبها فى مستقبلها معه.
تزوجته فى حفل مهيب تحملت امها كل تكاليفه وزفت اليه وهى لاتصدق انها وهو اصبحت معا .
شهور مضت تنهل من نهر السعادة التى كانت تتغاضى عن اوامره ومطالبه وتحكماته التى لاتنتهى .
وبمضى عام اصبحت حياتها معه عبارة عن قاضي ومتهم وهى بالطبع كانت دوما متهمة وهو قاضي غليظ القلب لايستحضر ابدا روح المحكمة ومشاعرها بل يضرب عليهما ويقتل كل مافي داخلها من حب .
اجبرها على عدم الانجاب لان الوقت غير مناسب والظروف ايضا .
لم تستطع أن ترفض كما لم تستطع اخبار امها لانها لاتستطع ان تواجهها بما تمر به .
امها كانت حزينة عليها وعبثا حاولت ان تعرف منها اى شىء عن سبب حزنها ووجومها وعدم زيارتها ولكنها فشلت لان ابنتها كانت تخاف من زوجها ومن عقابه لها الذى يصل للضرب المبرح والحرمان من الطعام وتركها فى البيت وحيدة بالايام وربما اسبوع وهو يذهب لاهله يغدق عليهم من حبه وماله الذى اصبح وفيرا من عمله فى البنك وايضا من مشاركته فى شركات اخرى بما لديه منر خبرة واسلوب تعامل آسر.
امها لم تحتمل انكسار ابنتها وحزنها وشحوبها فماتتت وبموتها انكسر الحائط الذى كانت تستند عليه وتحولت الى كتلة ادمية ، لاتتحدث ، لاتأكل ولاتشرب ، بل صارت تصرخ صراخا هستيريا كلما رات زوجها امامها .لم يعد يتحملهافذهب بها الى مصحة نفسية واودعها فيها ، وتركها هناك وكأنها لم تكن يوما فى حياته . وتزوج وانجب وبعد سنوات تذكرها من حلم افزعه وجدها تلف على رقبته حبلا وتشرع فى قتله فقام من نومه فزعا وتوجه الى المصحة وسأل عنها وعرف انها خرجت منها بعد سنوات وعادت الى بيتها .
حينها اكد لهم انها لم تأت اليه ، فردوا عليه بان ذلك ليس من شأنهم . خرج وهو لايعلم ماذا يفعل واين يذهب ولماذا يهتم بها هل هو الحلم ام انه يحاول ان يكفر عن ذنبه وتركها معلقة ومعذبة بأفعاله ومعاملته لها التي يعجز هو عن تفسيرها ، تذكر انها وحيدة ومن الطبيعى ان تعود الى بيت ابويها فجرى مسرعا الى العجوزة وطرق الباب بعنف فخرجت له وعندما رآها حاول ان يحتضنها ويقبلها وربما يطلب منها ان تسامحه وتعفو عنه ويتعهد لها بأن يعوضها ولكنها استقبلته ببرود غريب وبصمت لم يختلف عن ذلك الصمت الذى استبق ظهور اعراض الصراخ والبكاء عندما تراه .
سألها عن احوالها فتبسمت ، طلب منها ان تحكى له عن حياتها كيف تمضي وماذا فعلت فى غيابه ولماذا لم تعد اليه او حتى تسأل عنه ؟
ازدادت تبسما وقامت وذهبت الى المطبخ واحضرت له عصيرا شربه ومضى ومن يومها وهو راقد فى فراشه لايعرف الطب له علاجا وتركته زوجته واخذت معها ابناءها ومن حين لاخر كانت تأتى هى تنظر اليه وترعاه وهى تبتسم وكل مرة تأتيه تسقيه من العصير وتعود من حيث أتت..