لم تكن تسمع اباها ينادى على امها الا بالبومة ، وكانت امها تجرى ملبية نداءه لدرجة ان ابنتهما فى صغرها كانت تظن ان هذا المسمى نوعا من انواع الدلال والتفضيل من ابيها لامها. ..
كبرت الابنة وسط تسعة ابناء موزعين بين الصبية والبنات وللصبية نصيب الاسد ، وظل حال أبيها كما هو ينادى على هذه السيدة الطببة الهادئة الساكنة بالبومة ، وجاءت لحظة انفجار الابنة لانها كانت الكبرى عندما علمت معنى البومة ووصفها عند المجتمع الذى تعيش فيه ، وطلبت من ابيها وكانت حينها فى اخر سنة من المرحلة الاعدادية ، طلبت منه ان يكف عن مناداة امها بذلك الاسم وان كان لا يريد ان يناديها باسمها فليناديها باسم ايا من ابناءه الذكور مادام المجتمع يرفض ان تسمى الام باسم الابنة الكبرى مادام هناك ذكور ، فقالت له وهى محتدة ان لم تقل لها باسمها صباح فلتناديها بام رجب ؛ وصمتتت وهى لاتنظر الى ابيها وامها واختها واكتفت بأن تذرف دموعا مصحوبة بكلام غير مفهوم تتحدث فيه عن طول معاناتها من وقع هذا المسمى ، وكيف استطاع ان يصف امها ذلك الملاك الخادم له ولاخوتها كلهم بالبومة ؟!
وايضا اعلنت استياءها من ترحيب امها بالمسمى وطاعتها لابيها وعدم رفضها لذلك الوصف ، فور أن انتهت من همهمتها وجدت اباها واقفا امامها ويقترب منها ويحتضنها بكل قوة ويبكى ويتأسف لها عما سببه لها من حزن دفين والم كبير احتملته اعواما ، واجلسه بجواره لترى امها تبكى بحرقة واخوتها كلهم على وجههم علامات الاستغراب وعدم الفهم لما يجرى حولهم ….
نظر الاب الى زوجته وقال لها اخطأنا فى حقهم لاننا لم نقل لهم سر مناداتى لكى بالبومة وحبك لهذه التسمية ، والان لابد ان احكى واوضح لك ياحبيبة قلب ابيكى واولى ثمار حب الصقر لهذه البومة التى انجبت لى يمامات عمرى واولهم انتى حبة عين ابيها وفرحته التى يعيش من اجل ان يراها فى احسن حال ، ،
مالا تعلميه اننى قبل ان اتزوج امك كنت سليل اسرة رأس مالها التجارة فى الطيور ومن اجلها كنا نجوب الدول بحثا عن بضاعتنا الثمينة المطلوبة من اسر عريقة وكان لاحدى الاسر مطلب شراء بومة مميزة لابنتهم الوحيدة التى فقدت النطق منذ وفاة امها ووفاة البومة التى كانت امها تقتنيها ويقال ان البومة ماتت حزنا على صاحبتها ، وطلب منى ابى ان احصل على هذا الطائر كما هو مطلوب بشكله ومواصفاته التى ارسلوها لى فى صور متعددة ، وكانت من النوع النادر الثمين الذى يألف صاحبه ويأنس معه وبه ، وبالفعل. جُبت البلاد من شرقها لغربها ووجدت ضالتى وعدت بها لابى وكلفنى بالذهاب الى من طلبوها والحصول على ثمنها مضافا اليه بالطبع تكلفة سفرى وتنقلاتى ومخصوما منه تعبى وغربتى التى استمرت شهرا كى اجد لهم مايريدون ، وذهبت اليهم فى بيتهم الانيق الذى يعشش فيه الحزن والم الفقد ورأيتها ووقع قلبى تحت قدميها واحببتها منذ ان رأيتها ، وصرت اتخذ اى حجج كى ازورهم ، تارة اسالها عن البومة واخرى عن نصائح لضمان سلامة الطائر الجديد فى بيتهم ، وفى نهاية المطاف طلبت من ابى ان يزوجنى اياها و بقدر سعادة ابى بقدر تعاستى عندما قابل ابوها مطلبى بالرفض وبالطرد من بيته والتوعد بكل ماهو قاسى ان عاودت المحاولة ، عاهدتنى امك ان تكون لى وتحارب اباها بكل الطرق حتى يرضخ ويزوجها لمن احبت ، وجاءت الحيلة باستغلال البومة وبانها طوق النجاة ، فكانت حبيبتى كلما جاء الليل فصلت الكهرباء عن المنزل وارتدت مايشبه الشبح وحملت البومة على راسها وتحدثت الى ابيها كانها البومة وتخبره بانها حاملة رسالة من زوجته تطالبه فيها بالموافقة على زواج ابنته من الشاب المتقدم اليها ، استمر الحال اسبوعين متكاملين وكل يوم بلغة مختلفة وبدلائل مؤكدة انها قادمة من عالم الغيب الذى كان يعيش فيه مع امك ، وبالطبع طوال هذه الفترة وامك تمثل انها مريضة وطريحة الفراش وانها لن تشفى الا بزواجها منى ، ويعلن الاب الموافقة وتزف لى امك وتطلب منى انا اناديها بهذا الاسم لانه سبب سعادتها والغريب ان البومة يوم زواجنا اختفت والاغرب ان امك لم تطلب منى شراء اخرى واكتفت بان تكون هى بومتى وام يماماتى …