امنية كانت ابنة وسط ابناء كثيرين انجبتهم اسرة فقيرة كحال معظم الاسر التى ترى أن الابناء عزوة وسلاحا ضد الفقر والكبر فى السن. الاب كان عامل محارة والام ربة منزل تمتهن مهن منزلية لزيادة الدخل مثل تربية الطيور والحيوانات وبيعها لتساعد فى المعيشة .
امنية الابنة الكبرى لهذه الاسرة الفقيرة السعيدة . الاب كان مخلوقا منفردا فهو صاحب ابتسامة لاتفارقه رغم شظف العيش وعدم التعافى بسبب مهنته القاسية على جلده وجسده بصفة عامة .
امنية كانت الاقرب الى قلب ابيها وكان يختصها بكل اسراره وتحركاته حتى نزواته كان يقصها عليها عندما كبرت ..
كان يناديها بأمى ويقول لها اننى اشعر دوما انكى امى التى فقدتها وانا فى مطلع الشباب لانها لم تتحمل ان يتزوج ابى عليها ففى يوم زواجه لم تصحو من نوم عميق حزين حاولت ان اخفف عنها ولكنى فشلت ونامت وهى حزينة ولم تستيقظ وتركتنى ابنا وحيدا انفث سموم كراهيتى لابى وزوجته واحاربهما بكل ماأوتيت من قوة وانتهى بى المطاف بأن طردنى ابى ليس من البيت فقط ولكن من القرية كلها واصر على ذلك ودعمه من يوصفون بكبار البلد وصفوتها ، حكموا على ابى بأن يعطينى مصاغ امى ومبلغا ماديا قدروه بأنه نصيبى من ميراثى فيها وبأن اغادر القرية كلها لاننى سأمثل خطرا على ابى وزوجته وايضا ربما يكون ابى مصدر خطر لى ، ووافق ابى ولم تمنعه دموعى ومطلبى بأن اظل فى القرية لان فيها امى ذكرى وثرى .
جئت مصر كما نطلق عليها وانا لااعرف فيها احدا وفى محطة مصر التقطنى المعلم طه رجل طيب يعمل مقاول انفار وعرف قصتى واخذنى معه واجر لى غرفة بمنافعها كما يقال وعلمنى المحارة وكان عطوفا معى الى ابعد الحدود لدرجة انه كان يعطينى نصف الاجرة والنصف الاخر يدخره لى لمصاريف زواجى وايجار شقة الزوجية وبالفعل فى خلال اربع سنوات زوجنى لامنية وجهزنى بكل شىء وتحمل من جيبه مصاريف الفرح ولازال حتى الان رغم كبر سنه وانقطاعه عن العمل يساعدنى بطريقته التى لايعلمها احدا سوى انا والله .
حديث ابيها كان يتكرر دوما وهى تسمعه بشغف وكأنه يقص لاول مرة على عكس اخوتها الذين كانوا يقابلون حكاويه بالتأفف والتهرب من سماعها .
امنية لم تكن فقط تحب ابيها بل كانت تعشقه وتكاد تؤلهه لدرجة ان امها كانت تغار منها وتبدى ذلك فى حديثها معها وقولها انها ضرتها . الحياة كانت تسير بسلاسة وحب الى ان جاء يوم تلاه ايام اكملت شهرا وتلاحظ هى وكل من البيت تغير ابيها وابتعاده كثيرا عن البيت وعندما يعود يختلى بنفسه ولايتحدث الى احد ، والاغرب انه صار يدخن وتنبعث روائح من سيجارته غريبة فسرها اخوة اميرة الذكور بأنها حشيش ، لم يكتف الاب بذلك بل وجدوه ممسكا بزجاجة خمر وهو المصلى العابد الناسك ، انقلب حال البيت رأسا على عقب اصبح الحزن مخيما على المنزل ودموع الام لاتفارقها ابدا وتشرذم الابناء اصبح السمة الغالبة ، تقطعت امنية ولاتدرى ماذا تفعل فهى حائرة بين دموع امها وتغير ابيها وحزنها عليه ..
استجمعت شجاعتها وواجهت ابيها بما صار عليه ، فى بادىء الامر هاجمها لدرجة توجيه الفاظ نابية اليها لم تسمعها منه عمرها كله الذى اقترب من العشرين ، وعندما بكت احتضنها وبكى بكاء مرا لم تره ابدا ، قالت له الست انا امك حدثنى بما تختزنه ، مالذى جد عليك كيف تغيرت من النقيض الى النقيض ؟
احابها وهو ينتحب وقال اصبحت مثل ابى اخذتنى امرأة اخرى ، اغوتنى ، سلبتنى ، قولى كل شىء ولكن لاتكرهينى مثلما كرهت ابى ولاتلفظينى مثلما فعلت معه .. صمت طويلا ، ونظرت اليه ولم تتكلم وخرجت من الحجرة وهى تطلب من امها واخوتها ان يجهزوا حقائبهم لانهم سيتركون هذا البيت ويعودون الى بلد ابيهم يعيشون فيها الى الابد ..