منذ صغره وهو عاشق للحريه رافض أية قيود ، يهوى الانطلاق والتنقل. كان اخر الابناء لاسرة مكونة من الابوين وابنان هو ثالثهما . كانت امه تحبه حبا مبالغا فيه مما جعله ذو مكانة مميزة فى اسرته التى تمتد جذورها وتلتقى مع اصول ارمنية اعطته ملامح جميلة جعلته مميزا.
الاخوان الكبيران اصبح احدهما طبيبا والاخر ضابطا أما هو فقد إختار أن يكون كابتن طيار لأن أمه كانت تصفه بالزئبق الذى يصعب مسكه والتحكم فيه وكانت تقول عنه دوما .. طيار ياولاد!!
ومن يومها وعلقت هذه الصفة فى ذهنه مضافا اليها تركيبته الشخصية التى تؤهله لان يصبح طيارا..وقد كان ، ونجح فى كل الاختبارات وتدرج فى السلم الوظيفى ليصبح طيارا، عاش كل مافى هذه الكلمة من معانى فقد نهل من بحر الحياة نهلا فقد كانت بنات حواء كلهن ملك يمينه ، وكم بلغت سعادته عنان السماء عندما تهب له اجمل فتيات حواء نفسها وكلها فخر به وبأنه اعطاها هذه المنزلة دونا عن غيرها .
مضت حياته على هذه الوتيرة بلا ندم منه او أسف بل على العكس تماما كان يتفاخر ويتباهى بها.
زواج اخويه وانجابهما الكثير من الابناء لم يجعله يفكر اطلاقا فى ان يصير مثلهما بل شجعه اكثر ليواصل السير فى درب الحرية كما كان يصف حياته ويسهب فى التغزل بها، ابواه حاولا معه ويأسا وآثرا الصمت حتى لايخسرا اقامته معهما وقدومه من سفره المتواصل اليهما قاطعا عليهما وحشة الحياة وحيدين بعد ان كان البيت مفعم بالابناء الثلاثة بضجيجهم الذى يضج منه الجيران والجدران.
لم تمض الدنيا كما اراد الطيار فقد تغيرت الحياة فى لحظة التقى بها بفتاته التى غيرت عمره كله، غربية كانت ، جميلة كبنات بلادها ، منذ ان رآها فى الطائرة قادمة من بلادها الى بلده وهو لايدرى السر فى تعلقه بها ، احتوى ساعات السفر وكله انتظار للحظة ان تحط الطائرة ويهبط بها ويجرى الى اماكن الركاب ويتعرف عليها ولكنها لم تعيره اهتماما مما زاده تعلقا بها راغبا فى ان تكون له .. خرج من الطائرة يحاول ان يظهر الاهتمام بطاقمه ويبادلهم الضحك والنكات ولكن عيناه تتابعها خطوة بخطوة ، عند بوابة الخروج ظل منتظر اياها ، ووجد فى انتظارها رجل كبير فى السن ويظهر من ملامحه وملابسه انه عزيز قوم لم يذل ولكنه فقد جزءا كبيرا من ماله وسلطانه ، عندما رأته ارتمت فى احضانه وهو ايضا . وجاء سائق بعربة فارهة وان كانت غير حديثة الموديل الا انها منمقة ولامعة ، ركبت هى والرجل المسن وانطلق السائق وهو يتعقبهم ولايدرى السبب. كان نفس الطريق الى بيته وان بعدت الخطى وتوقف بالقرب من حيث نزلت وقرأ يافطة مكتوب عليها فيلا السفير الازهرى .
اطمئن قلبه بهذه المعلومات وعاد الى ابويه سعيدا معلنا لهما قرب دخوله قفص الزوجية، وهما يضحكان ويقبلانه شاكرين الله على انه هداه وانهما سيراه زوجا وربما يعطيهما الله العمر ليريا ابناءه.
فى اليوم التالى كان قد اعد خطة محكمة ليوقع بها فى هواه تسير على نحو التقرب منها واطلاعها على رغبته الاقتران بها رافضا ان يكون الدين او الموطن سببا للرفض. لم تفشل اية جزئية من خطته فقد استجابت لاول خيط القاه اليها واعلنت سعادتها به واكدت له انها لم تكن تتمنى افضل منه رفيقا ، توقف عند كلمة رفيقا ولكنها اكدت له ان فكرة الزواج لاتتم بهذه السرعة لان الارتباط يعنى اكتفاء كل منهما بالاخر وهى سمعت الكثير عن الشرقيين وتحولهم الى النقيض بمجرد ان تصبح المرأة زوجة لاحدهم ..على الرغم من عدم اقتناعه بكلامها الا ان تعلقه بها وخوفه من فقدها جعله يرضخ لها ويوافق على ماارادته ، جاء بها الى اسرته وعرفها عليهم والعكس وفرح بها اخويه وحسداه على امتلاكه لهذا الجمال بلا اى مشاكل ولا متاعب مادية ، ورحب ابيه بها وتمنى لهما حياة سعيدة وخاصة ان الابن قدمها الى اسرته على انها صديقته وان وافقا سيعلن الخطوبة ويعقبها الزواج ، امه نظرت اليه نظرات عرف من خلالها انه كاذب وتأكد ايضا ان امه لاترحب بهذه الفتاة بل تكرهها.لم يعر امه اهتماما لان كل اهتمامه كان بفتاته التى جعلته لها وحدها. مضت اربعة اشهر عاملته خلالهم بطريقة (شوَق ولاتدوق)مما جعله يتعجل اى خطوات تجعله يذوق الشهد وينهل من انهار الجمال والسعادة ،كل رحلة له الى بلدها تعطه حقيبة كى يعطيها لاخيها الذى يدرس فى الخارج وتقول له ان ابيها يرسل فيها ملابس لابنه الوحيد المغترب عنه طلبا للعلم، وكان الرجل المسن يتصل به شاكرا له صنيعه الذى يقوم به بحكم انه قبطان طائرة لايتم تفتيش حقائبه .
ستة اشهر مضت كل رحلاته كانت خلالهم توصيلا لحقائب فى عديد من العواصم الاوربية وفى كل مرة هناك اسباب معدة لتغير المكان وكلها تصب فى نهاية المطاف بحرصها على ان يحصل اخيها على مافى الحقيبة سواء مباشرة او عن طريق اصدقاءه وتوصيلها اليه لانه لايحسن التصرف ولايملك الاموال لكى يشترى مايريد .
فى مرة من المرات اخذ منها الحقيبة ولكنه لم يسافر فقد طلب منه زميله ان يستبدل معه هذه الرحلة بأخرى قادمة ووافق وطلب منه ان يأخذ هذه الحقيبة ويعطيها لاخو خطيبته الذى سيأتى للقاءه فى مطار شارل ديجول ..
وارتدى افخم الثياب وذهب الى بيت خطيبته ليفاجئها ويقضى معها وقتا جميلا يستعجلها فيه على لم الشمل ، عندما وصل الى حيث التقاها وطرق الباب لم يفتح احد فى البداية وواصل الطرق ففتح له رجل عجوز ولكن مظهره يؤكد انه سليل عز واصل ،سأله من انت وماذا تريد ؟ تعجب الشاب وقال له اليست هذه فيلا السفير الازهرى ؟ قال نعم ..وانا هو ، فأنكره الشاب وقال حضرتك انا خطيب بنت السفير والتقيت به على مدى ستة اشهر فى هذا المكان وقضيت اوقاتا هنا مع الاب والابنة..
تبسم السفير وقال له انا كنت خارج البلاد للعلاج منذ عام وعدت بالامس . وقال له لابد ان ابلغ الشرطة اعطنى مواصفات الاب والابنة ؛ فقال له الابنة لم تكن مصرية كانت غربية جميلة الى ابعد الدرجات ولها اخ يدرس فى الخارج:؛ وصمت الشاب واعتذر للسفير وجرى الى سيارته محاولا الاتصال بصديقه قائد الطائرة ولكنه لايرد عليه ويصله اتصال برقم خاص يعرف فيه صوتها تسأله عن الحقيبة لماذا لم تصل الى اخيها فيخبرها بما حدث وبأنه لم يسافر
وقبل ان يسألها عن مكانها واسباب اختفاءها تغلق هاتفها ، ليعلم ان صديقه تم الابلاغ عنه بنقل مخدرات واعتقل. يبذل مساع كثيرة لاخراج صديقه من سجنه يوقفها انتحار الصديق لانه غير مصدق ان يتورط رفيق عمره فى ايذاءه . ومنذ ذلك الحين ويعيش الطيار فى حجرته رافضا الخروج منها وتدخل عليه امه فى اوقات الطعام ، وحينما يريد ان يقضى حاجته يستند اليها باكيا متمنيا لو كان صدقها وابتعد عمن ذابت فى دروب الحياة واختفت ولم يعرف مكانها ليقتلها الف مرة ومرة من اجل مافعلته بصديقه وليس ماصنعته معه…