اذا اقتربت من نافذتهم فى الدور الارضى لن تسمع سوى جملتان ثابتتان كما الليل والنهار الاولى تقولها الست ام منال التى لم يراها احدا ابدا تضحك ولا حتى تتبسم فهى عابثة ودوما تقول : ربنا بلانى بخمس بنات واتحكم عليا اعيش فى الهم للممات .
ليرد زوجها عم عثمان عليها فورا : ربنا رزقنا بخمس جنات فى الدنيا والاخرة .
عثمان كان موظفا فى هيئة السكك الحديدية تدرج من عامل نظافة الى محصل الى سائق وهو الان يقترب من الخروج الى المعاش مع شهادة كل من عرفوه وتعاملوا معه بالاخلاق الجمة والادب والامانة والاخلاص ..
عندما ترك محافظته التى ولد فيها وانهى فيها ايضا دبلوم الصنايع ؛ وتزوج منها ابنة عمته ورزق منها بأمانى اولى ثمار الرزق كما كان يقول بان بمجيئها فتحت ابواب العمل فى مصر وترك بنى سويف وتقدم للوظيفة التى زكاه فيها احد اقاربه النازحين الى العاصمة او مصر كما تسمى فى ريفنا وصعيدنا المصرى .
انتقل الى السكن بجوار قريبه فى منطقة دار السلام المزدحمة بناسها، وهناك استقر فى شقة صغيرة ليفتح الله عليه بعدها ويشترى بيتا قديما ويعيش فيه مع زوجته الكارهة لخلفة البنات وتسابق الزمن فى الانجاب حتى يأتى الولد ولكنه لايأتى لحكمة لايعلمها سوى الخالق ؛ ويصبح معها من البنات خمسا كبراهم منال ذات الجمال الفارق والاخلاق العالية . كل ابناء عم عثمان تعلمن تعليما عاليا بل واصررن على ان يكملن مابعد التعليم العالى ويحصلن على الماجيستير فالدكتوراه ويتزوجن من زملائهم فى الكلية مثلهم فى الدرجة العلمية وفى مشوار الكفاح العلمى ؛ ماعدا منال التى احبت من يسكن امامها فى عمارة قديمة قدم منطقة دار السلام والكل يحكى بأنها كانت ملكا لاقطاعى كبير كان متحكما فى كل هذه المنطقة وهو الذى يبيع ويشترى لاهلها ومنهم ، ويحكون عنه حكايات وقصص تؤكد جبروته وقوته وبأنه لم ينجب سوى ولدا واحدا ويوم ولادته ماتت امه وبعدها بايام لحق بها ابيه حزنا عليها ورفضا لاستكمال الحياة بدونها ، ليتركوا الابن وحيدا لايعلم عنه احدا شيئا سوى مشاهدتهم سيدة فائقة الجمال تتنقل به وتهتم به ولكنها لاتكلم احدا ولاتتعامل مع احدا..
امانى احبت الساكن امامها وتعلقت به، وكم من ايام ظلت تنتظره حتى يخرج الى النافذة فتحدثه ويستمع اليها لتعترف له بحبها وتطلب مقابلته فيرحب بها فى بيته، ولاتدرى لماذا لم ترفض ولم تخف ، ولكنها لم تخبر ابويها وذهبت اليه وهى فى كامل زينتها وجمالها ، وعندما يفتح لها الباب تصدم من وسامته وهندامه وبريق عينيه الذى يأخذه اخذا، البيت مخيف ، لايوحى بوجود اية معالم للحياة ، تجلس على احدى مقاعده سيدة عجوز لم يستطع الزمن ان يمحى اثار جمالها وان كان استطاع ان يبتلع الكثير منه فى شكل تجاعيد وشعر ابيض وظهر غير مستوى ، عرف امانى بالزوجة المستقبلية وعرف العجوز بأمه التى لم تلده ، وعرف نفسه بأى شىء
وعندما نظرت اليه امانى رافضة هذا التعريف قال لها انا طبيب لا امارس مهنتى ولكنى اشفى من يمرض بطريقتى الخاصة ..
هذا اللقاء لم يكن اخر اللقاءات بل اتبعه لقاءات كثيرة فى واحد منها طلب منها ان تظل معه الى الابد ، فقالت له تعالى لابى واطلبنى منه ، فرد عليها ماذا لو رفض ؟ هل ستأتى معى حينها؟ قالت له باستغراب ولماذا تتوقع رفضه ؟
لم يعقب ووعدها بالمجىء غدا ولكن ان رفض ابيها ؛ واستكمل بقول او منعنى اى شىء عن الحضور اليكم فى بيتكم فسوف آخذك معى باية طريقة !! لم تفهم مغزى جملته ولكنها فرحت بأنه يريدها زوجة له وبأنه سيتقدم اليها فى الغد. وفى الليل اخبرت ابيها وامها لتصرخ امها فى وجهها وتحتضنها وتقرأ عليها المعوذتان وتتمتم بتعويذات ورقى شرعية وشعبية ، ومنال فى حالة وجوم ليسألها ابيها بهدوء مفتعل : اسمه ايه: يابنتى وشفتيه فين ، ومن امته تعرفيه ، وعمل معاكى ايه ؟
كل اجابات امانى جعلت ابيها يرتعد خوفا ويصر على بيع البيت والانتقال الى مكان اخر بل والعودة الى بنى سويف نهائيا ليحمى ابنته من هذا البيت الذى يسكنه جن كما يردد اهل المنطقة ويحكون ويدللون على حكاياتهم باختفاء اجمل البنات فى ظروف غامضة ..