ورثت عن أبي وأمي ميراثاً غير محمود ظللت أحمله على كاهلي سنوات وسنوات..
أورثوني أن البكاء ضعف فلاتبكين
وكرروا على مسامعي أن التوجع من الألم مذموم فلا تتآوهين
وحذروني من أن أظهر أنوثتي في الكلام أو الثياب بقولهم
خليكي راجل..
ونهروني ..
كلما عبرت عن رأيي في موضوع ما – حتى ولو كان يخصني_ بدعوى ”إحنا فاهمين أكتر منك“
كنت أسمع إمي تتهامس مع الأقارب والجيران عمن يطرقون باب بيتنا للزواج مني وانا لازلت في الخامسة عشر من عمري وانها رفضت وقررت أن أكمل تعليمي..
لم أكن أريد أن أتزوج صغيرة ولكن كنت أتمنى أن يكون لي رأي في شأن من شئوني الخاصة..
كان أبي دائما ما يبدي عدم رضاه عن مستوايا الدراسي الذي كان دائما تتأرجح نسبته مابين 80%/90%
قائلا ”اللي جاب 100%أحسن منك في أيه“
ظنا منه أن مايفعله يحفزني لمستوى أفضل ..
في حين أن هذا الحديث كان يصيبني بالاحباط…!!
كنت إذا تعرضت لإساءة أبكي خِلسة
وإذا تألمت أتأوه خِلسة
وإذا تجاوز في حقي زميل لي أو زميلة بالقول أو بنظرة أنظر له على استحياء وأمضي في طريقي اتجرع بداخلي وجع عدم قدرتي رد هذا التجاوز..
وظللت هكذا سنوات و سنوات..
تزوجت وانجبت واستمر الميراث معي أحمله على كاهلي
حتى جاء يوم وشعرت أن الشيب تملك روحي رغم أن سنوات عمري لم تتجاوز الأربعين …
حاصرتني الألام وهاجمني المرض الجبان السخيف
لأنني أتجرع كل مشاعري من آلم وخوف ورفض
بداخلي
كنت أكتم آلمي حتى لا أؤذي من حولي
كنت أحبس دموعي بداخلي حتى لا أجرح مشاعرهم ولا أشوه نفسيتهم…
كنت أرتدي العديد من الأقنعه الزائفة المبتسمة اللطيفة دائما كي تسير المركب بسلام..
كنت لا أجادل في أمور حياتية كثيرة مصيرية درءاً للمشاكل وجلبا للهدوء الذي سيعود على أفراد البيت بنتائج جيدة…!!
لكنني في أول مواجهة مع نفسي بعد هذه السنوات الأربعين
سألت نفسي سؤال وحاولت الإجابة عليه..
أين أنا من كل ذلك الزيف الذي أمارسه في حياتي !!!!
وجاءت الإجابة سريعة جدا وبدون تفكير
أنا غير موجودة
والتي تعيش بيننا هي أسماء المزيفة صاحبة الأقنعة المتعددة
أنا لست حقيقية ، أرتدي أقنعة كثيرة جميعها ليس فيها مني شيئا وشعرت بوجع في روحي وآلم في نفسي يفوق الآلم الجسدي الذي يصاحب الأمراض المستعصية
وقررت أن أمزق جميع الأقنعة وأن أتخلى عن ميراثي حتى ولو كلفني هذا كثيرا..
وبدأت أول خطوات الظهور الحقيقي لي على مسرح الحياة
لم يستوعب من حولي هذه النسخة الجديدة
أسماء الحقيقية التي عندما تحزن تبكي
وكلما توجعت تآوهت ..
أسماء التي ترفض علاقتها بالبعض وتنطق ب”لا“
التي كانت محيت من قاموسها الحياتي..
وبدأت اتجنب التعامل مع أشخاص بعينهم لأنهم يصدرون لي طاقة سلبية
وأبحث عن آخريين يكونوا مصدر بهجة وسعادة لي..
عندما أُحِب أنطق حباً
وعندما لا أحب أبتعد فورا
لأنني لا أجيد الكراهية
أنا بالفعل أصبحت سعيدة بنفسي لأني أصبحت حقيقية إلى حد كبيير وخلعت أقنعتي المزيفة..
أنا أكثر اتساقا الآن مع نفسي وأكثر هدوءا
لأنني أعدت نفسي لنفسي..